يُعتبر “العلاج بالفيروسات الذكية” (Virotherapy) طريقة حديثة ومبتكرة ضمن طرق العلاج البيولوجي. ومن المعلوم أن الفيروسات مُتعضيات (كائنات دقيقة) تغزو، وتنمو، وتتكاثر داخل الخلايا Intracellular micro organisms. لذا تعتمد طريقة “العلاج بالفيروسات الذكية” علي نزع المحتويات الداخلية للفيروسات وإعادة هندستها، وتغيير طبيعتها المُعدية لتكون “مركبة آمنة”. لتنقل العقاقير، والطعوم، والأدوية مباشرة للخلايا المستهدفة دون غيرها من الخلايا، والأنسجة، والأعضاء السليمة. حيث أن إيصال العقار للخلية والنسيج والعضو المحدد هو من أهم غايات الطب والتطبب.
الجزيئات الذكية
يتم تخليق وتطوير “فيروسات ذكية” في المختبرات العلمية والطبية. تضاف علي سطحها علامات جزيئية (عناوين بريدية) لآرسال الحمولة العلاجية إلي وجهتها المحددة. وقد بدأ الباحثون عملهم بإستخدام فيروس إلتهاب الكبد الوبائي (ب). وهذا الفيروس له ثلاث طبقات (مثل البيضة). وركز الباحثون علي الطبقة الوسطي غير المُعدية (القفيصة). وهي عبارة عن بنية بروتينية مركبة، وعند تجميعها تبدو أشبه بكرة قدم عظمية، تبرز منها مسامير. ويتم تغيير وظيفة (القفيصة) وبنيتها الجوفاء الكبيرة بما يسمح لنقل كمية ملحوظة من الدواء إلي العناوين (البريدية) المُحددة علي الزوائد المسمارية. كما بات خبراء التقنية الحيوية يجيدون تكوين بـُني بروتينية مُعقدة (كالقفيصة) شبيهة بالطبيعية. بل وصل الأمر لأبعد من ذلك.. حيث يتم إعادة هندسة كود DNA لتقليد وتصميم قفيصة لا يراها الجهاز المناعي بالجسم وتكون صلبة بما يكفي لإتمام رحلتها عبر مجري الدم ولها سطح يسهل التصاق الجزئيات الذكية عليها.
كما تفيد هذه الجزيئات الذكية علي السطح في تعريف الجهاز المناعي بالجسم علي الأورام السرطانية، وتدميرها. ومن المعلوم أنه توجد ثلاث طرق كلاسيكية رئيسة لعلاج السرطان: العلاج الكيميائي، والعلاج بالأشعة، والعلاج الجراحي، ولكلِ طريقة منها إيجابياتها، ومحاذيرها، وآثارها الجانبية، ومضاعفاتها. لكن “الفيروسات الذكية” ـ بحمولتها الدوائية المناعية، وتكاثرها الخلوي ـ تقوم تفجير وقتل الخلايا السرطانية فقط، وتتجنب الخلايا السليمة فلا تحدث آثار جانبية وخيمة. ويمكن استخدامها بعد التدخل الجراحي لإزالة الخلايا السرطانية التي لا يمكن رؤيتها.
فعلاج الأمراض السرطانية لا تكفيها طريقة واحدة، بل تحتاج إلى تكامل وتفاعل عده طرق في القضاء على المرض نهائيًا. ومنالأهمية بمكان معرفة وإكتشاف المرض مبكراً، حيث تكون فرصة النجاح في القضاء عليهأكبر وأوفر. وقد استخدمت هذه الفيروسات لعلاج سرطان الرئة والقولون والكبد وغيرهامن أنواع السرطان علي فئران التجارب كإحدي مراحل البحث وأعطت نتائج مبشرة. ولقدنجحت دولة “لاتفيا” في تطوير عقار “ريغفير”، الذي بدأ العملفيه منذ عام 1965. وكان يعتقد أن تخليق نوع واحد من الفيروسات كفيل بتقديمه لكلالمرضى، ولكل أنواع السرطان. لكن تبين أن لكل مريض فيروسًا خاصًا به، وغير مناسبلمريض آخر.
العلاج بالفاج (Phage therapy)
تُستخدم الفيروسات البكتيرية (البكتيريوفاج أو الفاج) لعلاج الأمراض البكتيرية التي تصيب الإنسان، والحيوان، والنبات، كماتستخدم في حفظ الأغذية، وتنقية المياه، ومنع فسادهما وتلوثهما البكتيري. ولقد نشأهذا العلم (العلاج بالفاج- Phagetherap) منذبدايات القرن الماضي وتطور بنجاح كبير. حيث تُسبب الفيروسات البكتيرية دمارًا للخلاياالبكتيرية المُستهدفة. فعندما يغزو فيروس خلية بكتيرية يسيطر عليها، ويجبرها علينسخ عدد من المحتوي الوراثي له. وعند تدمير الخلية البكتيرية تنطلق عشرات ومئاتالنسخ من هذه الفيروسات لتصيب خلايا بكتيرية أخري. وتتكرر هذه العملية حتي تقضيالفيروسات علي البكتيريا الضارة الموجودة في الجسم. وهذه الفيروسات لها درجة عاليةمن التخصص. فكل فيروس يصيب عدداً معيناً من الأنواع البكتيرية أو يصيب نوعاًواحداً منها، أو سلالات معينة من النوع الواحد ولا يصيب أخرى من نفس النوع. وكذلكفإن النوع الواحد من البكتيريا يمكن أن يصيبه (خليط) من الفيروسات البكتيرية (من 3– 6 أنواع). كما أن حجم الفيروسات صغير جدًا وتصل للبكتيريا المستهدفة أينما وجدتفي الجسم. لذا فمجالها قد يكون علاجي ووقائي في آن معًا.
وقد استخدمه علماء الاتحاد السوفيتي السابق في العلاج أثناء الحرب العالمية الثانية. لكن مع ظهور المضادات الحيوية Antibiotics في الأربعينيات جعل الدول الغربية تهمل الإهتمام به. حيث أن للمضادات الحيوية مجال علاجي واسع ضد البكتيريا. بيد أن مع ظهور السلالات والطفرات المقاومة للمضادات الحيوية وحدوث آثار جانبية للمضادات الحيوية أعاد الإعتبار لأبحاث العلاج بالفيروسات البكتيرية. فهذه الفيروسات متخصصة تصيب البكتيريا الممرضة فقط ولا تؤثر علي البكتيريا النافعة. ويتركز تكاثرها في مكان الإصابة البكتيرية بعكس المضادات الحيوية التي قد تؤثر علي أجهزة الجسم. وفي الغالب تكفي جرعة واحدة للقضاء على البكتيريا الممرضة الموجودة في الجسم. ومهمة الفيروسات مؤقتة ومرهونة بالقضاء علي الهدف، فإذا انتهت البكتريا توقف نمو الفيروسات. وعند إستخدام هذه الفيروسات كخليط يتم تجنب حدوث الطفرات المقاومة من البكتيريا فإذا حدثت طفرة نحو فيروس معين تصاب بالآخر. ولقد تم استخدام هذه العلاج بنجاح في علاج الأطفال حديثي الولادة والحوامل دون حدوث حساسية أو أعراض جانبية. ولعل اكتشاف أنواع جديدة من الفيروسات البكتيرية أسرع وأسهل وأقل كلفة إقتصادية من تصنيع مضادات حيوية جديدة. ويمكن استخدام هذه الفيروسات في صور دوائية كأشربة أو مراهم أو حقن أو حبوب.
يـُوظف العلاج بالفيروسات (Virotherapy)، والعلاج بالفاج (Phage therapy) التقنية الحيوية لتسخير الفيروسات فيمكافحة الأمراض وعلاجها. وذلك عن طريق إعادة برمجتها لمهاجمة الخلايا المصابة/البكتريا المُمرضة دون غيرها. ولعل المستقبل البحثي والطبي يكون واعدًا في تسخيرهاللقضاء على أغلب الأورام السرطانية، والأمراض البكترية، يقول تعالي في كتابةالمسطور: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًامِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الجاثية:13).