بقلم: زين الدين حسن
أقيم مساء أمس الثلاثاء 16/ 7/ 2018 بمركز “شيركوه” التابع لجمعية فضاء لرعاية الطلاب الوافدين بالحي السابع بالقاهرة، منتدى نسمات الثاني احتفاءً بصدور كتاب “الغرباء”، الكتاب الثاني من سلسلة كتاب نسمات، بعد الكتاب الأول “مواقف في زمن المحنة قراءة في مرتكزات الخطاب”، وهو الكتاب الواحد والثلاثون من سلسلة كتب الأستاذ فتح الله المترجمة إلى اللغة العربية.
حضر المنتدى لفيف من الطلبة الوافدين من جنسيات مختلفة، وعدد من باحثي الماجستير والدكتوراه، وبعض المفكرين والمثقفين المهتمين بقضايا الفكر الإصلاحي الإنساني، وقضايا الحوار والتعايش.
بدأ المنتدى بكلمة للأستاذ/ نوزاد صواش المفكر التركي والمشرف على مجلة حراء العريقة، رحَّب فيها بالسادة الضيوف، وقدم تعريفًا موجزًا عن كتاب “الغرباء”، وموقعه من كتب الأستاذ فتح الله كولن، وما يمثله الكتاب من إضافة للمكتبة العربية.
وفي محاضرته التي جاءت بعنوان: ” الطريق من العمق الداخلي للإنسان إلى إعادة بناء الأمة والمجتمع”، تحدث الدكتور محمد ياسين الباحث في الفكر الدعوي عند الأستاذ فتح الله كولن قائلا: “إن الإنسان في الثلاثة قرون الماضية تم تشويهه ومصادرة حريته وإنسانيته، ونحن لن نستطيع فهم كتابات الأستاذ كولن على عمومها إلا إذا قرأناها من هذه الزاوية، زاوية إعادة بناء ذات الإنسان وكيانه ووعيه بنفسه وحضارته من خلال القرآن الكريم”.
كما أضاف د. محمد ياسين أن الأستاذ كولن في كتاب الغرباء يتناول الإنسان بجميع أعماقه الدينية والدنيوية، وأن كل مقال من مقالات الكتاب البالغة أربعين مقالا تجد فيها المحاور الثلاثة الأنين والألم، التجديد والعمل، والتفاؤل والأمل.
كما ذكر أن قراءة ما يكتبه الأستاذ كولن في هذا العصر، وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تحياها الأمة بل المجتمع الإنساني برمته ضرب من ضروب الجنون، أو لون من ألوان الإيمان، لأنها إما تُصنَّف على أنها مثالية أكثر مما اعتاده الناس أو واقعية أكثر مما تمرَّسه الناس.
كما أضاف أن الأستاذ يبكي في هذا الكتاب غياب إنسان المعاني، الذي ينسى متعته الذاتية في مقابل منحه الحياة للآخرين، يبكي بحثًا عن فارس القلب الذي يُفتِّش عن جميع الحلول، الذي يتوحَّد مع ذاته فيعرف كيف يكون بحرًا بعد أن كان قطرة، وجبلا بعد أن كان ذرة، لكنه لا يقف عند البكاء والألم، بل يجعله وسيلة للتحفيز والعمل، الذي يقودنا إلى التجديد والأمل، فهو لا يقف عند “لماذا”، بل يجاوب على “إذن ماذا”.
أما الأستاذ/ السنوسي محمد السنوسي فقد اشتملت كلمته المعنونة بـ “الغرباء جدائل من الوعي والأمل” على خمسة محاور:
المحور الأول: بين الغربة والاغتراب، وفيه أشار إلى أن الأستاذ في هذا الكتاب حول مفهوم الغربة من مفهوم سلبي يعني الانعزال وفقدان الأمل، إلى مفهوم إيجابي يدعو إلى الإصلاح والتعمير والبناء، اهتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر أن الغرباء هم الذين يصلحون إذا فسد الناس.
المحور الثاني: بين العقل والقلب، وذكر فيه الأستاذ السنوسي أن الأستاذ كولن يرى أن إذكاء القلب بإحياء الإيمان وتقويته فيه، هو المدخل لعمل جاد يروم تحصين الأفكار والمشاعر والثغور، وأن الأستاذ كولن يدعو في الكتاب إلى عقد صلح بين العقل والقلب، وإنهاء عداء بينهما جرى لا موجب له، وأن هذه المصالحة المرجوّة شرط أساس للانبعاث المترقَّب بعد خمود طويل.
المحور الثالث: بين العشوائية والتخطيط، فالكتاب يرسم الطريق للغرباء: إصلاحًا ودعوةً وبذلاً، وينبه في ذات الوقت أن هذا الطريق لا يجوز أن يكون معبرًا للعشوائية والفوضى؛ بل يجب أن يتخذ من التخطيط والتدبير منهجًا راسخًا، حتى يمكن أن يحقق الآمال المرجوة.
المحور الرابع: بين التقليد الأعمى والاقتباس المُبصِر، فقد ذكر الأستاذ السنوسي أن كولن وإن دعا للإفادة من الآخرين؛ إلا أنه حذِّر من الانخداع في النقل الذي يكون محاكاة وتقليدًا أعمى، لا تلاقحًا ونقلاً مبصرًا. فلا تعني الدعوة إلى الإفادة مما لدى الآخرين من حكمةٍ التنكرَ لماضينا، ولا ازدراء تجربتنا، ولا التنصل من قسماتنا الخاصة المميزة لنا..كما يعتقد البعض خطأً!
المحور الخامس: بين استغراق الحاضر واستشراف المستقبل، حيث نبه كولن على أن إحدى الآفات القاتلة التي عرقلت العقل المسلم ومنعته من الخروج من الأزمات التي ألمت به، هي عدم قدرته على مدِّ البصر خارج حدوده الزمانية والمكانية، على نحوٍ يجعله غير مستغرَق في مشكلات حاضره المتشابكة، وإنما يكون قادرًا على فتح نوافذ جديدة، وعلى تجاوز واقعه الأليم، والاستعداد الجيد لما هو آت.