مُزج جسم الإنسان بعناصر وموجات كهربية، وإشعاعات تتجانس مع الأشعة الكونية، والموجات الكهرومغناطيسية والذبذبات اللونية، ولكل شخص إشعاعات خاصة تختلف في طول الموجة والتردد وعدد الذبذبات عن غيره، تمامًا كالبصمات. وكل إنسان، يرسل إلى حوله إشعاعات ويستقبل من الآخرين إشعاعات أخرى، فإذا كانت متقاربة نتج عن ذلك تفاهم ومحبة، وإذا كانت متنافرة نتج عنها العكس.

ونخلص من ذلك إلى أن الألوان عبارة عن طاقة مشعة لها طول موجي معين تقوم المستقبلات الضوئية في شبكية العين بترجمتها إلى ألوان، وتحوي الشبكية على ثلاثة ألوان، هي الأحمر والأخضر والأزرق، وبقية الألوان تتكون -فيما بعد- من مزج هذه الألوان الثلاثة. وعندما تدخل طاقة الضوء إلى الجسم، فإنها تنبه الغدة النخامية والجسم الصنوبري في الدماغ، مما يؤدي إلى إفراز هرمونات معينة تحدث مجموعة من العمليات الفسيولوجية، وبالتالي السيطرة على تفكيرنا ومزاجنا وسلوكنا.

نبذة تاريخية

الثابت تاريخيًّا أنه لم يكن البحث في عالم الرسم -بصفة عامة- عملاً طارئًا أو مستجدًّا في الفضاء العربي، وإنما هو موضوع استأثر اهتمام ثلة من الباحثين الذين قاربوا الموضوع من زوايا نظر متعددة، بل متباينة تختلف في منطلقاتها وغاياتها، فاهتموا بجوانب مخصوصة دون أخرى، واكتفوا بمنظور قطاعي حجب جوانب وغلب أخرى فانطمست الظاهرة كليًّا. وعليه فإن هذا المبحث، يهتم بالرسم بوصفه ظاهرة علاجية منغرسة في ثقافات مجتمعات عديدة منذ بواكيرها الأولى إلى زمننا الراهن.

كل إنسان، يرسل إلى حوله إشعاعات ويستقبل من الآخرين إشعاعات أخرى، فإذا كانت متقاربة نتج عن ذلك تفاهم ومحبة، وإذا كانت متنافرة نتج عنها العكس.

 

فالرسم علاج للإنسان منذ القدم، فقد كانت تنتاب الإنسان بعض المخاوف من الحيوانات فكان يرسمها على الجدران، ثم أصبح الرسم وسيلة من وسائل تخزين الثقافة والكتابة، وتدريجيًّا أصبح الرسم نوعًا من أنواع الإبداع والعلاج الحاضر. فكلما تخيَّل الإنسان شيئًا في المستقبل وقام برسمه، حاول بعد ذلك أن يحققه.

العلاج النفسي بالرسم والألوان

الرسم ليس مجرد هواية، بل أسلوب للتعبير عن النفس والأفكار المتضاربة الداخلية، وإنه وسيلة مهمة للعلاج بالفن من خلال رسم ما يدور في خلدك على لوحة كبيرة، يشاركك في تلك اللوحة مجموعة من الأشخاص الآخرين الذين يخرجون ما بداخلهم بريشة الألوان التي تناسبهم. كما أن العلاج بالفن يندرج تحته الرسم والرقص والموسيقى، التي تكون جلساتها من خلال مدرِّب نفسي يدير “الجروب” العلاجي ويرشد الأشخاص الذين يشاركون، سواء كانوا أصحاء أو مرضى نفسيين، حول قواعد الجلسة، مؤكدًا أن وظيفتها تكون حول إخراج العالم الداخلي على الورق وتصويره من الخارج، حتى يكون هناك علاقة بالعقل مع الجسم والواقع، فيتسع إدراك الشخص بعالمه، ويكيف معها دخائله.

إن العلاج النفسي الجماعي مهم جدًّا للتعامل مع الذات وكذلك الارتباط الكامل مع الواقع، ولكل وسيلة طريقتها، سواء كانت الرسم بالتعبير عن ما بداخلك بالريشة والألوان، أو استخدام الموسيقى -حسب كل حالة- والإيقاع المناسب لها، وكذلك الرقص والحركات التي تقوي من رابطة الشخص بجسمه بدل التعامل معه على أنه بعيد عنه أو لا يشعر به.. كما لا يزال الفن يحوي في خزانته العديد من أسرار الحياة والكون، يكشفها الإنسان يومًا بعد يوم. ومن تلك الفنون رسمة “الماندالا”.

نبذة تعريفية عن “الماندالا”

من منظوري الخاص وبعيدًا عن الاستطراد، فمن بين جملة الفنون التي يزخر بها عالمنا، ما يستوقفك فن استثنائي، يستأثر بجماح اهتمامك، ويُمطرك بصيب سحره، وصدقه ولوعته، وحميميته، ويهيمن على منابت حبك وإعجابك، وتصفق له مسابك طربك.. ذلك ما يحدث وأنت تطالع تلك الرسومات القيّمة التي عُرفت بـ”الماندالا” أو الدائرة. وهي تشكيل مرئي يمثل الكون غير المتناهي الأبعاد، وفي الوقت نفسه يصور أصغر الأشياء وأدقها.. هي نوع من أنواع الرسوم الزخرفية والرموز، أو الرسم على الأحجار.. أضف إلى ذلك، هو واحد من أكثر الفنون تفردًا وروعة، يعتمد على تصميم نمط ونقوش متوازنة بصريًّا تتكثف في المركز. ويعتمد هذا الفن على نوع من السيميترية العالية، نوع سلس ومستدير لتهدئة الروح وملء الفراغ والفقر الداخلي للإنسان.. والفن يعتمد على رسم دوائر بلا بداية ولا نهاية متداخلة، وهذا الفن يسمى اصطلاحًا بـ”فن البهجة”، كونه وسيلة للتخلص من التوتر العصبي والضغوط، وهو يساعد على التعبير عن المشاعر من خلال طريقة اختيار الألوان والأشكال، كونها طريقة سهلة ومسلية لرسم شيء جميل، وهي أيضًا نوع من التأمل الموجه الذي يحث على خلق السلام والاتزان في حياتك.

إن التركيز دائمًا على مركز الماندالا أثناء رسمها يوفر لك مرساةً تتكئ عليها، بينما يهيم عقلك. وكذلك يمكن أن تستغل رسمك للماندالا كنوع مميز من التدريب الروحي الذي يساعد على نموك الشخصي..مايوز استُعملت من قِبَل الهندوسيين والبوذيين للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي، والثابت تاريخيًّا أن أصولها تعود إلى الثقافة الهندية، حيث تشير الدائرة الأساسية فيه إلى مركز الكون، وتقوم على فكرة النقوش الدقيقة المتوازنة بنظام محدد. وقد انتقلت هذه الثقافة إلى شعوب هضبة التِبَتْ في القرن الـحادي عشر، ثم انتشر بعد ذلك في الكثير من دول العالم ومنها مصر، حيث أدرك الكثيرون أهميته في صفاء الروح والذهن.

تلوين الماندالا ينشط الفص الأيمن من المخ، مما يجهز الجسد للتخلص من زحام الحياة وتوتراتها، كما أنه يساعد على إخراج شحنات الغضب والطاقة السلبية والاكتئاب

وكلمة “ماندالا” في اللغة “السنسكريتية” تعني الدائرة أو القرص. والشائع الآن أن “ماندالا” أصبحت مصطلحًا عامًّا لأي تخطيط جدولاً أو نمطًا هندسيًّا يقدم الكون عن طريق”الميتافيزيقيا ” أو “الرموز”. إن تلك الرسومات الزخرفية، تعتمد على رسم التفاصيل الدقيقة دون خطة مسبقة للشكل النهائي، أي إننا لا نرسم بهدف الوصول إلى شكل نهائي، إذ يمكن أن يمتد بك الرسم حتى لا تجد مكانًا فى صفحتك، لكن هذا لا يعنى بالطبع عدم التناسق والتناغم بين أجزاء الرسمة. وقد اشتهر هذا النوع من الفن فى العالم، وأصبحت هناك العديد من كتب التلوين الجاهزة التي يمكن أن يقتنيها هواة هذا النوع من الفن، أو المهتمون بالتلوين بصفة عامة، لأن لها العديد من الفوائد

علاج مؤكد وشفاء سحري

يثير الفضول للتعرف على أسرار “الماندالا” أو ما يطلق عليه “فن البهجة”، لما يشاع عنه كوسيلة للتخلص من التوتر العصبي والضغوط، خاصة أنك تغرق في حالة من التأمل والهدوء النفسية وأنت ترسم هذه الأشكال المتناسقة، أو تقوم بتلوينها.. ولكن ما هي حكاية هذا الفن المثير؟

يقال في العديد من الدراسات، إن هناك فوائد “نفسية” لممارسة هذا النوع من الفن، منها أنها تساعد على تفريغ وإخراج الطاقة السلبية من الذهن، كما أنها تساعد على تقوية التركيز، حيث تعتمد على الدقة ورسم وتلوين مساحات صغيرة.. ليس هناك ضرورة لأن تنفذ الرسم بنفسك إن لم تكن تجيد هذا النوع من الرسم، لكن يمكنك الاستمتاع بممارسته من خلال تلوين الرسومات الجاهزة التي أصبحت متداولة في كتب تلوين متوافرة بالمكتبات، أو يمكنك أن تصنع كتابك الخاص بك من الرسومات المتوافرة على شبكة الإنترنت، ويمكن من خلال جمعها وطباعتها تكوين كتابك ثم ممارسة متعة التلوين.

تقول السيدة هنا كمال (وهي وأول من أدخلت هذا الفن إلى مصر): “تلوين الماندالا ينشط الفص الأيمن من المخ، مما يجهز الجسد للتخلص من زحام الحياة وتوتراتها، كما أنه يساعد على إخراج شحنات الغضب والطاقة السلبية والاكتئاب”.

(*) مدير شؤون العاملين بالأمانة العامة للصحة النفسية بمستشفى الصحة النفسية بـ”سوهاج” / مصر.