إن سورة الأحزاب هي من السورة المدنية وآيتها ثلاثة وسبعون، التي تتناول الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية، شأن سائر السور المدنية، و قد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة، وبالأخص أمر الأسرة فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتمع السعادة والهناء، وأبطلت بعض التقاليد الموروثة مثل التبني والظهار، واعتقاد وجود قلبين لإنسان، وطهرت المجتمع من رواسب المجتمع الجاهلي، ومن تلك الخرفات والأساطير الموهمة التي كانت متفشية في ذلك الزمان.
وكذلك تتحدث عن بعض نعوت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، اللاتي أراد الله تعالى أن يطهرهنَّ تطهيرًا، ومما خصهن الله تعالى به أنهنَّ بمنزلة الأمهات الحقيقيات للمؤمنين، في الإكرام والتوقير وعدم الزواج بهن.
- زوجات المصطفى ﷺ أمهات المؤمنين
جاء في الآية الكريمة السادسة من سورة الأحزاب أن أزواج المصطفى ﷺ بمنزلة أمهات المؤمنين اللائي ولدنهم، أي في الحرمة والاحترام والإكرام والتوقير والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع وهكذا نزل الحق جل وعلا زوجات النبي ﷺ منزلة الأمهات على الحقيقة في بعض الأحكام، ببركة اقترانهن، زوجات طاهرات طيبات، بالمصطفى ﷺ.
- زوجات النبي ﷺ أسوة حسنة للمؤمنات
من الآيات الكريمة التي يتبين منها ويتأكد أن أمهات المؤمنين الأسوة الحسنة للمؤمنات الآيات سورة الأحزاب من الثامنة والعشرين إلى الخامسة والثلاثين.
وقد جاء في مناسبة نزول الآيات الكريمة عمومًا نزول الآيتين الأوليين خصوصا ما يفهم منها أن النبي ﷺ بعد أن نصره الله تعالى في غزوة الأحزاب نصرًا مؤزرا، وعلى يهود بني قريظة الذين انتقم الله تعالى منهم أشد الانتقام، وأصبحت كلمة المصطفى ﷺ الأولى في جزيرة العرب، رغب زوجاته ﷺ أن يكون لهن حظهن من الدنيا على غرار بنات كسرى وقيصر اللاتي كن في الحلي والحلل، الإماء والخول. ولم يكن في بيوت النبي ﷺ شيئ من حطام الدنيا، ولم يكن ﷺ يدخر شيئا، وروي أن أزواجه ﷺ كن قد تغايرن عليه ﷺ فهجرن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزل التخير لهن من الله تعالى فاخترن الله ورسوله ﷺ والدار الآخرة وتركن الحياة الدنيا وزينتها، رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.
إن سورة الأحزاب هي من السورة المدنية التي تتناول الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية شأن سائر السور المدنية، وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة، وبالأخص أمر الأسرة فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتمع السعادة والهناء.
ومعنى الآيات الكريمة، والله تعالى أعلم، يا أيها النبي الكريم قل لإزواجك أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن، إن كنتن تردن الحياة الدنيا الفانية وزينتها الزائلة وزهرتها الذابلة، فتعالين معززات مكرمات، أعطيكن متعتة الطلاق التي فرضها الله تعالى على الأزواج، واطلقكن طلاقًا جميلاً كما أذن الله تعالى به، وأدب به عباده، وإن كنتن تردن رضا الله تعالى، ورضا رسوله ﷺ ونعيم الدار الآخرة، فإن الله تعالى أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما في جنات النعيم.
وبسبب المنزلة الرفيعة عند الله تعالى لأمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهنَّ كانت لهن معاملة خاصة في الثواب والعقاب، إن الحق جل وعلا ينادي نساء النبي ﷺ ويقول لهن: يا نساء النبي محمد ﷺ، من يأت منكن على سبيل الافتراض، بفاحشة واضحة من نشوز وسوء خلق، فإن العذاب يضاعف في حقها، وكان العذاب الشديد يسيرًا على الله تعالى، أما من يلزم طاعة الله تعالى منكن ويتبع رسوله ﷺ وتعمل صالحًا بمقياس الإسلام، فإن الله سبحانه وتعالى سوف يؤتيها أجرها مضاعفًا، وأعد الله تعالى لها رزقًا كريمًا في جنات النعيم.
يا نساء النبي إن اتقيتن الله تعالى حق تقاته، وذلك هو المأمول منكن والواقع، فلا تلن القول لغير المحارم فيطمع الذي في قلبه مرض النفاق وشهوة الزنا، وقلن قولاً معروفا شرعًا وعرفًا وعقلاً، والزمن بيوتكن ولا تخرجن منها إلا لحاجة وضرورة، ولا تبدين زينتكن ولا تظهرن محاسنكن للرجال الذين لا يحل لكن إبداء الزينة لهم وتخاشين أن تفعل فعل نساء الجاهلية الموغلة في الجهل والفترة السابقة على الإسلام، حينما كانت الواحدة منهن تتعمد أن تبدو جميلة في عيون الرجال الأجانب، وكما كان التبرج خارج البيوت كان داخلها، ويؤمرن رضوان الله تعالى عليهن أن يقمن الصلاة المفروضة وتلحقها النوافل، وأن يؤتين الزكاة وتلحقها الصدقات، وأن يطعن الله تعالى ورسوله ﷺ طاعة مطلقة.
أبطلت سورة الأحزاب بعض التقاليد الموروثة مثل التبني والظهار، واعتقاد وجود قلبين لإنسان، وطهرت المجتمع من رواسب المجتمع الجاهلي، ومن تلك الخرفات والأساطير الموهمة التي كانت متفشية في ذلك الزمان.
واذكرن يا نساء النبي ﷺ بقلوبكن وألسنتكن وجوارحكن ما يتلى ويقرأ في بيوتكن من آيات الله تعالى البينات وسنة النبي ﷺ المبينة للقرآن الكريم، إن الله تعالى كان ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، خبيرًا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا.
- وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب
جاء في الآيتين الكريمتين الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين من سورة الأحزاب ما معناها، يا أيها الذين آمنو لا تدخلوا بيوت النبي ﷺ إلا أن يؤذن لكم وتدعون إلى طعام، فإذا دعاكم النبي ﷺ إلى طعام فأتوا في الوقت المناسب لا أن تأتوا مبكرين منتظرين نضج الطعام، إن النبي ﷺ إذا دعاكم إلى طعام فادخلوا في الوقت المناسب، فإذا تناولتم الطعام فغادروا لمكان وانتشرو في أماكنكم وفي أرض الله تعالى، ولا تجلسوا بعد تناول الطعام يستأنس بعضكم بحديث إلى بعض. إن ذلكم الاستئناس بالحديث بعد تناول الطعام كان يؤذى النبي ﷺ فيستحي منكم أن يطلب منكم المغادرة، رغم المشقة التي كان يعانيها عليه الصلاة والسلام، وقد عرفنا أن زينب رضي الله عنها كانت مولية وجهها إلى لحائط في أثناء استئناس الرهط الثلاثة بالحديث، وكذلك يؤذى النبي ﷺ أن تأتوا مبكرين قبل نضج الطعام.
وإذا سألتم -أيها المؤمنون- أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين متاعًا تنتفعون به فاسألوهن من وراء الحجاب، ومن خلف ستر، ولا تدخلوا عليهن البيوت، إن سؤالهن المتاع من وراء حجاب أطهر لقلوبكم تجاه النساء، وأطهر لقلوبهن تجاه الرجال.
وواضح أن الحجاب هنا خارجي، وهو الذي يفصل بين الرجال والنساء، ويحول بين الرجال أن يروا النساء، والنساء أن يرين الرجال.