رجال أمن الحضارة الإنسانية رجال من نوع خاص. هم طبعًا ليسوا كما قد يُعتقد من العنوان رجال الأمن العاديين الذين ينتشرون في التخوم لحماية الأوطان من أطماع التوسع الخارجية و الإرهاب والتهريب.. بل هم رجال أمن الحضارة الإنسانية الذين يدافعون عن الإنسان وقيمه النبيلة وتراثه المادي واللامادي، في إطار وطن واحد وشاسع اسمه “الإنسانية” (Humanity).
الانتماء إلى هذه الفئة من رجال الأمن، لا يتطلب التوفر على جنسية دولة (State) محددة، أو عدم استيفاء سن معينة، أو امتلاك بنية جسمانية بمواصفات دقيقة، أو بلوغ مستوى دراسي خاص.. كل ما في الأمر هو القدرة على الدفاع عن الحضارة الإنسانية أينما وُجدت وكلما دعت الضرورة لذلك، دون نرجسية (Narcissism) وتعصب وتحيز لأي قطر مهما كانت قوة أسطوله من رجال الأمن العاديين وعتاده العسكري وبالرغم من تطوره وامتداده الجغرافي. رجال أمن الحضارة الإنسانية لا ينتظرون تشجيعًا أو وسامًا أو تصفيقًا، لأن التاريخ الذي يكافئ المخلص ويكشف عورة المزور وإنْ أخذ ذلك عقودًا وقرونًا من الزمن، بلا شك سيمنحهم وسام الوفاء والخلود في ذاكرة الإنسانية جمعاء.
رجال أمن الحضارة الإنسانية شعراء ملتزمون، ارتموا تضحية وإيثارًا في بحر الكلمة الصادقة والمعبرة، وأحسنوا استعمالها كوسيلة موضوعية مجردة من النمطية والأحكام القبْلِية الجاهزة.
رجال أمن الحضارة الإنسانية شعراء ملتزمون، ارتموا تضحية وإيثارًا في بحر الكلمة الصادقة والمعبرة، وأحسنوا استعمالها كوسيلة موضوعية (Objective) مجردة من النمطية (Streotyping) والأحكام القبْلِية الجاهزة (Prejudice) من أجل بناء أو إعادة بناء بقايا متفرقة من الحضارة الإنسانية.. بقايا تنتظر الترميم والإنقاذ من براثن الإهمال ولعنة النسيان وشدة هول الهجران، وأخرى تتطلع للبعث والإحياء جراء موت عانت ويلاته، بعدما كانت في ماض غابر تعج بالحياة والإبداع والإشعاع الحضاري والثقافي الإنساني.
رجال أمن الحضارة الإنسانية كتَّاب وباحثون ومثقفون، اتسموا بالعضوية (Organicism) والموضوعية (Objectivity)، همهم الوحيد تدوين وحفظ تاريخ الحضارة الإنسانية العالمية كَكُلية (As an entity) في ملكية الإنسان العالمي (Global Man)، دون قرصنة أو خلق تمايز أو احتقار لمكون واحد من مكونات الحضارة الإنسانية على أساس جغرافي، وعقائدي وفكري وثقافي وعرقي.. هم حقًّا رجال متنورون ومتحررون، أماطوا ولا زال شق منهم يميطون اللثام عن حقائق وأحداث وجوانب عدة تهم الحضارة الإنسانية، وذلك بالنبش المُعَقلن والمنهجي بواسطة أدوات الحياد (Neutrality) والموضوعية والدقة (Eexactitude) والعلمية (Scientificity) والتسييق (Contextualization).
رجال أمن الحضارة الإنسانية، ينتشرون في كل الأزمنة والأمكنة، كما ينتشرون داخل أقطارهم وخارجها على حدٍّ سواء، غير آبهين بالحدود التي تفرق البلدان ما داموا ينتمون لوطن أرحب وأشمل وأرحم اسمه “الإنسانية”.
رجال أمن الحضارة الإنسانية رسامون ونحاتون، وظفوا كل طاقاتهم الإبداعية (Creative) والتخييلية (Imaginative) لخدمة الحضارة والثقافة العالميتين، سعيًا منهم للإظهار، والاحتفال بالكون (Universal) المشترك بين كل شعوب الأرض سواء الحاضرة والغابرة، كما نقبوا بطرقهم الفذة، واشتعلوا بوسائلهم البسيطة، والمشكلة أساسًا من ريشة وصباغة وزيت وطين وألوان وخشب وأحجار، لكشف المحلي (Local) لدى تلك الشعوب المتعددة والمتفرقة في الزمان والمكان، قصد نقله والتعريف به على نطاق أشمل، ليُسجل ويُحفظ في رصيد التراث الحضاري الإنساني العالمي، بُغية كَوْنَانِيتِه/كَونَنَتِه (Universalization/Worldization)، بعدما كان يرزح تحت قيود المحلية (Localness) والانحصارية (Limitedness/Restrictedness) والتقوقع والتصدف.
رجال أمن الحضارة الإنسانية دََعَوَات وابتهالات (Supplications) تُرفع في الصلوات اليومية المفروضة، وفي النوافل، وفي جوف الليل، من طرف بنيات تفكير مختلفة وهائلة، بواسطة كل اللغات الوطنية المعترف وغير المعترف بها، والمعروفة والمجهولة، والمُنْكرَة لحفظ الحضارة الإنسانية من جبروت وتسلط المخربين، ودعاة العنف ومعتنقي مذهب القضاء على الإنسان والحياة والإبداع والعقل والتعايش (Cohabitation). إنها دعوات تُرفع على رجال “لا أمن الحضارة الإنسانية”، والذين يدورون في فلك الجهلة والساديين والاقصائيين والأنانيين واللاحضاريين اللاإنسانيين (Anti/non-Civilizational, Anti/non-Humanistic).
ختامًا.. رجال أمن الحضارة الإنسانية، ينتشرون في كل الأزمنة والأمكنة (Across all times and places)، كما ينتشرون داخل أقطارهم وخارجها على حدٍّ سواء، غير آبهين بالحدود التي تفرق البلدان ما داموا ينتمون لوطن أرحب وأشمل وأرحم اسمه “الإنسانية”.. هم أيضًا رجال لا يمكن التعرف عليهم بلون البدلات التي يرتدونها، والقبعات والشارات والمراتب التي يحملونها، أو بأماكن وجود ورباط محددة، أو بطرق تدريب خاصة.. إنهم رجال أمن من نوع خاص، غايتهم هي الدفاع عن الحضارة الإنسانية العالمية بأكملها، وعن مهندسها وصانع أمجادها الذي هو الإنسان (Man) داخل وطن يحتضن الجميع اسمه الإنسانية.
(*) كاتب وأديب مغربي.