على الإنسان أن يبذل في سبيل الله كلَّ ما أوتي من جهد، ولكن عليه أن يلزم حدّه في جنب الله، ويعيَ منزلته، ويكون في يقظة وحذر، لا يتعدى حدوده ولا ينسب لنفسه ما ليس منها. عليه ألا يَنسب الجمال إلى نفسه ألبتة، وأن يستحضر دائمًا أنه ليس مظهرًا للجمال، بل هو ممر له على الأكثر؛ لأننا لسنا أصل الجمال، أصل الجمال هو الله، وليس الجمال ملازمًا لذاتنا، بل يبدو أحيانًا ويختفي أحيانا أخرى، مثل أشعة الشمس تنعكس على فقاعات الماء، الأصل هي الشمس، أما الفقاعات فهي ممر لنور الشمس لا غير. لا يليق نسبة الجمال إلا بصاحب الجمال. أجل، لسنا مصدر الجمال، وجمالنا ليس نابعا منا، بل منه سبحانه. فمن كان هذا فكره، بارك الله له في أعماله، وأصبح بطلَ الآية التي تقول:(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وأفاض الله عليه من نعمه دون انقطاع.
حين يتوقف القلب من التأثر
إذا سمع المؤمن الحقيقي أحدَهم يتطاول بالكلام على الذات العلية عز وجل أو الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلام يكاد قلبه يتوقف من شدة التأثر. مع ذلك يضبط عواطفه، وينتظر فرصته، ويحسن التعامل مع الموقف بأدب وحكمة ولطف إكراما للحقيقة التي ينبغي أن تصل إلى مكانها، يقول: “هذا هو الأدب الذي علَّمَنا إياه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إنني أبتغي رضاه، ورضاه في إخلاصي لسنته في التعامل مع هذه الحالات”، وعندما تحين فرصته ينطلق في إقامة الحجة، ويبدع في بيان الحقيقة بأسلوبٍ هيّن ليّن حيكم ينبض محبة ورحمة تخترقان القلوب لا محالة.
لقد اختص الله الأنبياء بصفات الأتمية والأكملية، لأن دينا أكملَ وأتمَّ لا يمكن أن يحمله إلا عظماء تشبّعوا بصفات الأتمية والأكملية. إن أمانة الدين الأتم ثقيلة لا تطيقها كواهل هزيلة
التطلع إلى قمة الأنبياء
لقد اختص الله الأنبياء بصفات الأتمية والأكملية، لأن دينا أكملَ وأتمَّ لا يمكن أن يحمله إلا عظماء تشبّعوا بصفات الأتمية والأكملية. إن أمانة الدين الأتم ثقيلة لا تطيقها كواهل هزيلة. وإذا أراد السالكون في درب الأنبياء أن يكونوا أهلا لحمل أمانة الدين الأتم الأكمل، فعليهم أن يكونوا كالأنبياء يتأسوا بهم؛ عليهم أن يضرعوا إلى الله كي يمنحهم أخلاق الأنبياء، أن يطلبوا همة كهمة الأنبياء، عزيمة كعزيمة الأنبياء، ربانية كربانية الأنبياء، حكمة كحكمة الأنبياء، سعيا كسعي الأنبياء، شوقا كشوق الأنبياء، أي أن يتطلعوا إلى الأتمية والأكملية بإلحاح في تمثّل معاني الإيمان والإسلام والإحسان. أجل، لا يجوز للإنسان أن يطلب النبوة من الله، فالنبوة انتهت مع النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، لكن يجوز أن يطلب التخلقَ بأخلاق الأنبياء، يمكنه أن يقول: اللهم نمِّ مواهبنا، نمّها أكثر فأكثر، لا حدود لعطائك، تكرم علينا بقابليات لا نهاية لها، وسِّع من قابلياتنا على الدوام، ووفِّقْنا إلى تسخيرها في خدمة دينك ورسالة أنبيائك”. بالتأكيد إن قاماتنا لا ترقى إلى أن تكون “ظلا” لتلك القامات السامقة والمقامات السنية التي أحرزوها، ناهيك عن أن تقترب من “أصلها”، مع ذلك على المؤمن أن يكون عالي الهمة مثلهم، يصوِّب نظره إلى الذرى –مثلهم- في علاقته مع الله، ينشد الغايات العلا بصدق وإلحاح حتى يستطيع أن يؤدي الأمانة حقها.
قبل أن يضيع الفاني والباقي
الأمراض الروحية أخطر على الإنسان من الأمراض المادية. الأمراض المادية توجع بدن الإنسان، وأقصى ما تفعله به أن تقضي على حياته الفانية. أما الأمراض الروحية فلا تقف عند إخماد حياة القلب في هذه الدنيا الزائلة، بل تمتد إلى تدمير حياته الأبدية. فالأمر جد خطير، يتطلب تبصرا بالفيروس في بدايته وعدم إتاحة الفرصة لتعاظمه. ألا يتخذ الناس تدابير وقائية للتحصن من فيروسات نزلة البرد في الشتاء؟ كذلك عليهم أن يأخذوا حذرهم من الفيروسات الروحية مسبقا قبل أن تسري فيهم فتخمد دنياهم وعقباهم.
(*) الترجمة عن التركية: نوزاد صواش. هذه النصوص مترجمة من دروس الأستاذ الخاصة.