نرجو الخلودَ علي بساطٍ دامي *** والموتُ يُسعِفُنا من الأيامِ
والموتُ قبضُ أناملٍ ممدودةٍ *** في مَحفِلٍ أدماه طُولُ زحامِ
والموتُ طيٌّ للبساط ومن عَلا *** فوق البساط، وصمتُ كلِّ كلامِ
والموتُ فض مجالسٍ معقودةٍ *** لتناحرٍ وتناطحٍ وخِصامِ
والموتُ خَرْس للأسِنة والقَنا *** تحت العَجاج، وجَزرُ بَحرٍ طامي
والموتُ عَقد قصائدٍ ومدائحٍ *** يذرُ الرثاءَ فريدَ كلِّ نظامِ
والموتُ حَلُّ ضغائنٍ وشحائنٍ *** يذرُ السماحَ إِمامَ كلِّ مَلامِ
والموتُ يكفيكَ المعاذيرَ التي *** سكبَت حياءَك سكبَ كأسِ مُدامِ
والموتُ يكفيكَ السقامَ وأنَّةً *** تَفدِي ذُكاءَ محارقِ الآثامِ!
والموتُ يعصمُكَ الدُّنا وتزعفرَت *** كعجائزٍ أحللن كلَّ حرامِ!
***
صنعت لنا الدنيا فلما أحسنت *** صنعًا تخارقَ كفُّها لرِغامِ
فكأنها ما طاوعت إلا لكي *** تعصي، كصمتٍ في الوغي وكلامِ
فتريكَ أن الحُكمَ ما حكمت به *** والفضلَ منها ليس فضلَ أنامِ
تتقاسم الأحياءَ خفيًا مثلما *** يُخفيكَ طعمَ الموت صقلُ حُسامِ
***
الموت جِدّةُ عهد مَن ذاق البلي *** وحياتنا لحمًا كبعض عظامِ
هذي لها عيد وبهجة مَولدٍ *** ولِتلك عيدٌ مُكفَرٌ برَغامِ
وبهذه سِنٌّ ونابٌ ضاحك *** وبتلك ضحك هواجرٍ وصيامِ
ونوازلٍ وفعائلٍ، وعواذلٍ *** وفضائلٍ، وترحُّلٍ ومُقامِ
لكن بعضَ الخلق لم يعبأ بها *** أولي، فما أخراه غيرَ حِمام
***
والموت وصلٌ للقبور بتُربها *** كتواصل الأرحام بالأرحامِ
سيَغُضُّ طرفي أن يَري زيفًا إذا *** فخرَ الترابُ علي التراب أمامي
ولموتُ بعض الناس حيلةُ مُعرِضٍ *** ولِعٍ بشيمة ساكني الآجامِ
ولبعضهم كالسيف أحصِنَ غِمدَه *** كي لا يُثلِّمَه لِعابُ غلامِ
ولبعضهم أثوي ليورِق تربُه *** كيدًا لسُقيا الناس والأنعامِ
ولبعضهم كالشمس أخفت مجدَها *** ليبين مجدُ الفرقدين لعامي
والمرء يَبلي كي يجدِّد موتُه *** عهدَ الكرامِ، ولا كعهد كرامِ
وحَيا الغمامِ بذي الغمام مُغيَّب *** كيما يُطفِّي الشوقَ صوبُ غمامِ
فتذوقَ طعم الوصل عُقبي صَيِّبٍ *** يشفي العليلَ بحُرقةٍ وضِرامِ
والنار إن أورتكَ عزَّك زندُها ***كي يُرتجي فيجودَ بالإنعامِ
ولكل أحوال الحياة تزاوجٌ *** والموت صِنو العيش في الأرحامِ