في لحظة صفو غير عادية توقف الزمن، وانفصلت عن المكان وانطلق خاطري إلى عالم الوجدان، أفتش في كل أجزائي وفي كل أفكاري وآرائي، يجتاحني شعور لا أعرفه ولم أبحث عنه ولكنه وجدني، أحساس في أعماق القلب يتجدد ويتدفق إلى كل كياني الوجداني مع كل نبضة قلب يهزني ويرعبني وبالدهشة يملؤني.
من أين جئتني أيها الشعور وأنت غريب عني لم ألقاك وما أردت أن ألقاك؟ حتي أنني كنت أختبئ منك في طيات أشغالي، أين قوتي وأنا الذي كنت أظن أن لاشئ يستطيع أن يحرك مني ساكنًا، أين عنادي الذي كنت اتدرع به أمام كل من شكك في الإيمان بالمادة وأهجم عليه لتحطيم دواخله؟.
نعم؛ لم أكن أؤمن إلا بالمادة ولكن ها أنا أكفر بها من أعماق أعماقي في هذه اللحظة، ومن الشعور أدركني الإيمان فأزال كل تقديس كنت أعلقه فوق الذرة وما فوقها.
لقد كفرت بكفري وكل هذا حدث في تلك اللحظة التي أحدثكم عنها، ولكنها بالتأكيد وأقسم لكم أنها كانت لحظة ذات بُعد أخر لم أفهمها بكل ما أتيت من فيزياء، هناك شئ أخر أعلى وأقوى من قوانين الفيزياء حركني، وجعلني أبحث في نفسي عن ما أعبد وماهية المعبود.
دخلتُ بخيالي عوالم اللامكان واللازمان باحثًا عن من نظم الأكوان تنظيمًا دقيقًا ولون الألوان في عيون البشر، وأذاق اللسان مذاق الطعام والشراب، هذا الذي أعطانا اللذة بكل لذيذ، هذا الذي ربط المصائر فجعل بين الكائنات الأواصر، هذا الذي خلط العناصر فخلق الإنسان وصوره وجعل لأعضائه غريب المعاملات بالكيمياء والكهرباء وسرًا أخر لا أدريه ولم تثبت لأحد قدم فيه.
وتردد الخيال وسبح بين البرازخ كثيرًا ليرى الأنفس في الأفاق ويشاهد الأفاق في الأنفس؛ ليقرر بأن هذا الخلق واحد، لا بل مبسوط علي كل الوجود من ذراتها الصغيرات إلى أعظم المجرات.
وتبدل بالإيمان الكره للكائنات بالإحسان فكلنا في نفس السفينة نسبح وندور في مهد الإخوة، هذا الكل يهتف ويقول هو وحده المعبود.
فيا من أنطق ألسن الكائنات بلا لسان، وجعلها تدل عليه بأفصح بيان، افتح بصائرنا وقلوبنا لنستمع للتسبيح الذي تسبح به المجرات في الدوران، والسر الذي وضعته في عميق البحار والقيعان، اضرع إليك بلسان كل ألسنة الكائنات.