الطيور الغواصة شباك طبيعية

ينقض سادة الغطس من الطيور (Gaviiformes) كالمقذوفات والسهام من الهواء طلباً للغذاء من الأسماك، والقشريات، والرخويات البحرية، أو هربًا من الأعداء. تحبس هذه الطيور أنفاسها ريثما تقضي غرضها، وتصعد للسطح مُمسكة بفريستها قبل نفاد هواء تنفسها، وعادة ما تطفو في أقل من دقيقة، إلا أن كثيراً منها قادر علي الغوص لخمس دقائق تستطيع خلالها السباحة مئات الأمتار.

 تغطس الخرشنة في البحر لوقت وجيز لتمسك بفرستها، بينما تغوص طيور الغاق والأطيش والبجع البني اللون تحت سطح الماء بحركات سريعة ورشيقة من أرجلها ذات الوترات. لقد وهبت هذه الطيور قدرة التحكم في أجهزتها وبخاصة الجهاز التنفسي، والدوري، والعضلي عند الغوص، فيقل عمل القلب ليقل استهلاك الأكسجين، وتستهلك كمية كبيرة من الطاقة المخزنة في عضلاتها. وهي تغير من اتجاهاتها بسرعة مذهلة. وإذا ما شعرت بالحاجة للأكسجين تعود سريعًا لسطح الماء ثم تعاود الغطس وهكذا.

تتمتع الطيور الغواصة بأفواه ومناقير تتلائم مع أسلوبها الغذائي

  كما لدي البجع والجانيات والأطيش أكياسًا هوائية مرنة تحت الجلد. لا تساعدها فقط على الطفو بل تعمل على امتصاص الهزات الناجمة عن الاصطدام بالماء. وجميع طيور هذه الرتبة ذات رائحة جسمية غضة متميزة تعزي لزيت المعدة الأصفر الذي تفرغه من منخارها وفمها عندما تفزع. وتتغذي الصغار منها على هذا السائل. وسماكة دهن الجسم وزيتية الريش يساعدان بعض أنواع الطيور الغواصة على البقاء دافئة وجافة داخل المياه الباردة. كما تتميز الطيور الغواصة بأجنحة متناسبة، وأساليب طيران وتحليق وقنص و”أكروبات” بارعة.

فنشاهد “القطرس” أن أجنحته الطويلة الدقيقة تساعده على الانزلاق ساعات طوال وتضرب سريعًا طيور “البفن” بأجنحتها القصيرة فتحدث أصواتًا. ويستوعب “البجع البني” اللون التيارات الهوائية المفاجئة عبر تقلبات رشيقة، لكن زعانف البطريق تمكنه من الغوص بمهارة تحت الماء (بسرعة 19 كم/ ساعة) دون الطيران في الهواء. وتتمتع الطيور الغواصة بأفواه ومناقير تتلائم مع أسلوبها الغذائي، فللغاق والبجع جرابات في رقبتهما تستخدمه في تخزين الأسماك.

 أما منقار “الفلروب” الإبري الشكل يساعد على تقطيع الكائنات الصغيرة. ويلتقط “النسر الأمريكي” ببراعة الأسماك من سطح الماء ولا يكلف نفسه عناء الغوص للأعماق. كما يتجنب العقاب المنسوري تبعات الغوص عبر إقتناص فريسته من الماء بمخالبه التي تشبه شفرات الحلاقة في حدتها.  

طيور متنوعة

  يعتبر “القطرس الجوال” أضخم الطيور البحرية في العالم، ويصل طوله من طرف الجناح لطرفه الآخر ثلاثة أمتار، ويزن 11 كجم. وينقض من أعلي الموج للأسفل ويستقر وجناحاه مطويان باحثاً عن الحبار وغيره. أما جلم الماء، والفلمار فطيور مهاجرة وتعتبر من أكبر الطيور المتنقلة في العالم. ويعرف “جلم الماء ذو المنقار الرفيع” في استراليا “بطائر الضأن”. ويهاجر شمالاً للمحيط الهادي عن طريق نيوزيلاندا قبل الرجوع للتكاثر في جزر مضائق (باس Bass  بين استراليا، وتسمانيا.

 أما أصغر الطيور ذات الأقدام الكفية هي طيور “النوء الصغيرة” (طولها 14- 25 سم). ومع أنها تبدو “رقيقة” بالنسبة لحياة المحيط لكنها متأقلمة ببراعة. ويعيش النوء في نصف الكرة الجنوبي وتنزلق فوق سطح المحيط كأنها تمشي فوق الماء. وطائر “النوء الغطاس” أكبر قليلاً من “النوء الصغير” ويوحي اسمه بمهارته في الماء. فيغوص من أجل السمك أو طلبًا للأمن. ويستخدم أجنحته القصيرة في السباحة تحت الماء، وتستطيع أن تنبثق مباشرة لتطير. ويوجد من أنواع طائر الغوّاص/ الغمّاس/ السمّاك (Gavia): “الغواص أحمر الحنجرة، والغواص القطبي”، و”غواص المحيط الهادئ”، و”الغواص الشائع”، و”الغواص أصفر البطن.

تسطيع طيور الغاق الغوص إلى أعماق 20 مترًا، كما تستطيع الطيران على ارتفاعات مخنفضة فوق سطح الماء.

طيور الغاق

أنواعه كثيرة تصل لنحو 39 نوعاً موزعة على سواحل بحار العالم ومحيطاته وجزره وضفاف أنهاره ومصباتها. ويلقب طائر الغاق Phalacrocorax   aristotelisأحياناً “بغراب البحر“. وله شهرة كبيرة حيث يعتبر رمزاً لمدينة “ليفربول” الإنجليزية، وناديها الرياضي. وتتزين مباني المدينة الحكومية والعادية بتحف هذا الطائر الجميل الرشيق. وفي فرنسا احتفظ لويس الثالث عشر بهذه الطيور في “مونتين بلو” في حين احتفظ “جيمس الأول” ملك انجلترا بما عرف “بالغاق الرئيس”.  وطيور الغاق طيور مائية متوسطة الحجم، الذكر مثل الأنثى حجمًا ومظهرًا ولونًا. وذات ريش داكن وأعناق رفيعة طويلة انسيابية ورشيقة. ولها مناقير طويلة مستقيمة معقوفة عند نهايتها. بينما أرجلها قصيرة وأقدامها ذات سطح واسع، ويوجد بين أصابعها غشاء جلدي يعينها كالمجداف على السباحة.

   وليس لطيور الغاق أكياسًا هوائية، وعظامها كثيفة نسبيًّا، لتطفو بسرعة أقل من أشباهها. وتغطس إلى أعماق تزيد عن 20 مترًا. وتطير على ارتفاع منخفض فوق سطح الماء في أسراب على شكل رقم 7 أو في خطوط مستقيمة. وتبحث فرادي وجماعات عن الأسماك أثناء الطيران/السباحة، وعندما تحدد موقعها، تغوص بسرعة ورشاقة لتجلبها. وتستطيع ذلك عبر ضربات قوية بأقدامها الكفية، جامعة جناحيها لجسمها. بينما يسمح ريشها الخارجي بمرور الماء، أما طبقته الداخلية فلا، ليحافظ على حرارة الجسم.

البطريق

تعد الطيور الغواصة العائلة الأخت لعائلة البطريق. ويعيش البطريق (Penguin) في النصف الجنوبي للكرة الأرضية خصوصاً القارة القطبية الجنوبية ويوجد منه 17 نوعاً في العالم ولديه تلائم عالٍ مع بيئته، وهو سباح وغطاس ماهر. ويبلغ حجم البطريق ما بين 40-120 سم. وأضخم أنواعٍه “البطريق الإمبراطوري” (طول البالغ منه 1.1 متر، ويزن 35 كم أو أكثر). وأصغرها البطريق القزم” (لا يتعدى طوله 40 سم، ويزن كيلوغرام واحد). وتميل البطاريق الأكبر حجماً إلى العيش في بيئات أكثر برودة، بينما تقطن البطاريق الصَّغيرة بيئات معتدلة أو مدارية.

  وتكون البطاريق سريعة ونشطة جدًا في الماء ليس فقط للقبض على فريستها ولكن للهروب من أعدائها من أسماك القرش والحيتان القاتلة. وتستطيع السباحة لعشر ساعات بسرعات ما بين 13-32 كم/ساعة. لكنها تقفز خارج الماء للتنفس كل دقيقة. وهي تسبح وتغوص بزعانفها مستخدمة أرجلها في التوجيه فقط. وتتغذى مُعظم أنواع البطاريق على الأسماك والسرطانات والحبارات التي تصطادها أثناء الغطس. كما تقضي نصفَ حياتها تقريباً على اليابسة. كما تطلق بعض الغدد في جسم البطريق زيتا يغطي ريشه، ويجعل جسمه مقاومًا للماء والريح.

ازدهار الطيور الغوّاصة بعد حظر شباك الصيد

 في عام 1992 زادت التجمعات المتكاثرة لطيور الغوص بعد إغلاق مصايد السمك. التي تعتمد الشباك الخيشومية (تشبه الستائر) وقام “بول ريجيولَر” وفريقه. بجامعة نيوفاوندلاند التذكارية في سانت جونز، كندا، بتحليل بيانات تعداد الطيور البحرية التي تم جمعها قبل وبعد انهيار التجمعات السمكيّة. ذلك الانهيار الذي دفع إلى إغلاق مصايد سمك “القد”، و”السلمون” في شرقي كندا. وقارن الفريق أعداد طيور الغوص كالأوك، والأطيش، التي تعلق في شرك الشباك الخيشومية بغيرها من الطيور.

  إن القطرس، والأطيش، والغاق، والنوء، وجلم الماء، والفلمار، والبفن، والبط البحري، والخرشنة، والغطاس، والبجع وغيرهم نماذج تجمع في روعة وإدهاش، بين قدرات الطيران والتحليق في السماء، وبراعة السباحة والغوص في الماء. فغذاؤها، وغذاء الإنسان أيضًا، من غوصها في طلب الأسماك لكلٍ خصائصه، وصفاته، ومقومات دورة حياته. ولكل “هدايته” للعيش وفق ظروف بيئته، وتأقلمه إذا ما تبدلت الظروف، وتغيرت الأحوال.