حقيقة الأشياء والأسماء الحسنى.. أي علاقة؟

إن كل زهرة جميلة، وكل إنسية حسناء وأمثالها من الكائنات البديعة لَتعبّر بصورتها الظاهرة عن أسماء الله الحسنى.فتصور فإلى أيّ حد من السمو والكلية تعبر جميعُ الأزهار، وجميعُ ذوي الحياة والموجودات العظيمة الكلية، عن الأسماء الحسنى الإلهية.

كل كائن في هذا الوجود مرآة لأسماء الله الحسنى. كل زهرة جميلة، وكل إنسية حسناء،وكل كائنة بديعة لَتعبّر بصورتها الظاهرة عن أسماء الله الباهرات.

يمكنك في ضوء ذلك أن تقيس مدى ما يقرأه الإنسان وما يستقرئه من الأسماء الحسنى أمثال: الحي، القيوم، المحيي، في كلٍ من صحائف الحياة واللطائف الإنسانية كالروح والقلب والعقل.

وهكذا، فالجنةُ زهرة. والحورُ زهرة، وسطحُ الأرض زهرة، والربيع زهرة، والسماء زهرة، ونقوشها البديعة والنجوم والشمس زهرة، وألوان ضيائها السبعة أصباغ نقوش تلك الزهرة.

العالمُ إنسان كبير جميل،والإنسان عالم مصغر بديع، فنوعُ الحور، وجماعةُ الروحانيات، وجنس الملك، وطائفة الجن، ونوع الإنسان، كلّ من هؤلاء قد صُوّر ونُظّم وأُوجد في حُكم إنسان جميل. كما أن كلا منهم مرايا متنوعة متباينة لإظهار جماله سبحانه وكماله ورحمته ومحبته.. وكلّ منهم شاهدُ صدقٍ لجمالٍ وكمال ورحمة ومحبة لا منتهى لها.. وكلّ منهم آيات جمال وكمال ورحمة ومحبة.

فهذه الأنواع من الكمالات التي لا نهاية لها، حاصلة ضمن دائرة الواحدية والأحدية، وهذا يعني أن ما يُتوهم من كمالات خارج تلك الدائرة ليست كمالاتٍ قطعا.

العالمُ إنسان كبير وجميل، والإنسان عالم مصغر بديع، وكلاهما بما يشتملان عليه من كائنات باهرات مرايا لجمال الخالق عز وجل ورحمته الواسعة ومحبه الغامرة.

فافهم من هذا كيف أن حقائق الأشياء راجعة إلى الأسماء الحسنى، بل الحقائق الحقيقية إنما هي تجليات تلك الأسماء. وأن كل شيء بجهات كثيرة وبألسنةٍ كثيرة يذكُر صانعَه ويسبّحه ويقدّسه. وافهم من هذا معنىً واحدا من معاني الآية الكريمة: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(الإسراء: 44). وقل: سبحان من اختفى بشدّة ظهوره. وافهم سرا من أسرار خواتيم الآيات وحكمة تكرار أمثال: (وهو العليم القدير). (وهو الغفور الرحيم). (وهو العزيز الحكيم).

فإن لم تستطع أن تقرأ في زهرةٍ واحدة الأسماء الحسنى، وعجزت عن رؤيتها بوضوح، فانظر إلى الجنة وتأمّل في الربيع وشَاهِد سطحَ الأرض، عند ذلك يمكنك أن تقرأ بوضوح الأسماءَ المكتوبة على الجنة وعلى الربيع وعلى سطح الأرض، التي هي أزاهير كبيرة جدا لرحمة الله الواسعة.

المصدر: الكلمات، بديع الزمان سعيد النورسي، دار النيل للطباعة والنشر.