ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية هو العقل والذكاء، ولكن الإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يتميز بالذكاء في مملكة الأحياء، فهناك كائنات أخرى تشاركه هذه الصفة بنسب متفاوتة. وهذا المقال يرصد ذكاء الطيور فيما وثق من معلومات بعضها يميط اللثام عن تفاصيل نتعرف إليها للمرة الأولى. ويقدر العلماء عدد الطيور البرية 200-400 بليونًا، وبعض أنواعها تتسم بذكاء شديد كونها قادرة على حل ألغاز معقدة.
أثبت العلم الحديث أن الغراب طائر شديد الذكاء، ومن أوضح الأدلة على ذلك أنه يدفن موتاه من بني جنسه ولا يتركها نهبًا للجوارح من الطيور أو غيرها من الحيوانات المفترسة أو التعفن أو التحلل في الجو.
قام الباحثون في جامعة “أوكلاند” في “نيوزلندا” بدراسة حول “غراب كاليدونيا الجديدة”؛ حيث وضعوا أمام الطائر أنبوبًا بلاستيكيًّا وفي نهايته قطعة من اللحم، عندما لم يستطع الطائر الحصول على قطعة اللحم بمنقاره، جاء بغصنٍ ثم غرسه في قطعة اللحم وأخرجها من الأنبوب ثم أكلها. ونجح عصفور يدعى “نايغل” في متحف الفن في “نيوزلندا” في استغلال اثنين من أجهزة الاستشعار في فتح مجموعة مزدوجة من الأبواب، وعندما انتهى الطائر من الأكل، عاد وفتح الأبواب من جديد وخرج من المكان.
أصحيح أن البومة تتمتع بالحكمة؟
إن البومة من الطيور الماهرة في الصيد، لكنها ليست الأكثر ذكاء من الطيور أو الحيوانات الأخرى كما يبدو من هالة الحكمة التي تحيط بها، أو التي صورتها الرسوم المتحركة وبرامج الحياة البرية، حيث كشفتْ إحدى الدراسات أن البومة الرمادية فشلت مرارًا وتكرارًا في اختبار معرفي بسيط، على الرغم من نجاح أنواع عديدة من الطيور في حل الاختبار، لكن هذا الأمر لا يعني أن البومة طائر غبي.
إن البومة من الطيور الماهرة في الصيد، لكنها ليست الأكثر ذكاء من الطيور أو الحيوانات الأخرى كما يبدو من هالة الحكمة التي تحيط بها…
أفضل المواد في البناء
توصلت دراسة علمية إلى أن الطيور لديها قدرة تعلم طريقة اختيار أفضل المواد لبناء أعشاشها. وكان الاعتقاد السائد، أن اختيار الطيور لمواد بناء الأعشاش يتحدد بناءً على جيناتها نظرًا لاحتواء كل نوع منها على “نموذج عش غريزي”، لكن التجربة العلمية أظهرت أن هذا النشاط يعتبر أكثر تعقيدًا من الناحية المعرفية، ونشرت نتائج هذه الدراسة في دورية “Royal Society Journal Proceedings B”.
أتيح خلال الدراسة للطيور فرصة الاختيار من بين مجموعة قش مرنة وصلبة لبناء أعشاشها. قالت “إيدا بايلي” من جامعة “سانت أندروز” والمشرفة على الدراسة: “وجدنا أن العصافير “زيبرًا” تفضل القش الأكثر صلابة”، وأضافت: “يعتبر القش الصلب أكثر كفاءة للبناء بالنسبة لهذه العصافير، إذ يمكنها بناء عشها بمواد أقل”. كما بحثت “بايلي” وزملاؤها، قدرة الطيور على التعلم بهدف تحديد ما إذا كانت تلك الطيور بإمكانها التمييز بين المواد بالاعتماد على خصائصها.
ولإجراء هذا الاختبار، أعطى الباحثون مجموعة من العصافير قشًّا مرنًا لبناء الأعشاش، بينما أعطوا مجموعة أخرى قشًّا أكثر صلابة، بعد ذلك أتيح لمجموعتي العصافير الاختيار بين القش المرن والصلب، فاختارت العصافير التي دأبت على بناء أعشاشها بالقش المرن على الفور تلك المواد الأكثر صلابة.
يتمتع الحمام الزاجل بالذكاء الخارق وقدراته المنفردة التي هيأه الله بها بين الطيور والتي تمثلت بالقدرة على الصبر.
ذكاء خارق وقدرات منفردة
يتمتع الحمام الزاجل بالذكاء الخارق وقدراته المنفردة التي هيأه الله بها بين الطيور والتي تمثلت بالقدرة على الصبر، والمطاولة للوصول إلى أبراجه ومن مسافات بعيدة جدًّا، وتحت أصعب الظروف والتقلبات الجوية الممطرة، والرياح العاتية.. لقد بدا الاهتمام بتربية هذا الطائر منذ أيام حُكم الخلفاء العباسيين، وروي بأنه عندما حاصرت جيوش الإفرنج العرب في مدينة عكا برًّا وبحرًا، لجأ العرب المحاصَرون داخل الحصن إلى استخدام حمام الزاجل في إرسال الرسائل إلى مقر القيادة في مصر لاطلاعهم على الموقف الصعب الذين هم فيه، الأمر الذي ساعد السلطان صلاح الدين الأيوبي على اتخاذ الإجراءات السريعة لفك الحصار عن مدينة عكا وتخليص العرب المحاصرين، هذا بالإضافة إلى مشاركة هذا الطائر النادر بنقل العديد من الرسائل إبان الحرب العالمية الأولى والثانية.
أكثر الطيور ذكاء
أثبت العلم الحديث أن الغراب طائر شديد الذكاء، ومن أوضح الأدلة على ذلك أنه يدفن موتاه من بني جنسه ولا يتركها نهبًا للجوارح من الطيور أو غيرها من الحيوانات المفترسة أو التعفن أو التحلل في الجو؛ صونًا لكرامة الميت وترفقًا بالبيئة والأحياء فيها. فقد ثبت أن الغراب يقوم بحفر الأرض بمخالبه ومنقاره ليكون حفرة عميقة فيها، ثم يقوم بطيّ جناحي الغراب الميت وضمهما إلى جنبيه، ورفعه برفق لوضعه في قبره، ثم يهيل عليه التراب حتى يخفي جسد الغراب الميت تمامًا. أيضًا بعد موت أحد الغربان، تقف جميع السربان لعدة ثوان بصمت تام، ثم يحلق الجميع دون أي صوت وكأنه طقس جنائزي للغراب الميت.
وفي أكيتا اليابانية تستغل الغربان ساعة الذروة المرورية للحصول على الجوز، وعندما تكون الأضواء حمراء تضع الجوز على الطريق وتنتظر حتى يتحول الضوء إلى الأخضر فتسير السيارات وتسحق العجلات الجوز.
يتميز الهدهد بسرعة كبيرة في الطيران، وله قابلية التخفِّي والدفاع عن النفس من مطاردة الطيور والحيوانات المفترسة بشكل رائع وسلمي.
لقد كشفت أبحاث ودراسات في جامعة واشنطن، أن للغربان ذاكرة ومهارات تواصل أكثر مما اعتقد الناس بكثير، واستطاع العلماء إثبات هذا بتجارب؛ حيث تم ارتداء أقنعة خاصة أثناء القبض على الغربان ووضعها داخل الأقفاص، وبعد فترة من الزمن أطلق سراح هذه الغربان، ثم قام الشخص الذي ارتدى القناع بالتوجه إلى الأماكن التي تتجمع فيها هذه الغربان، وذلك للتأكد من أن الغربان ستتذكر وجه من قبض عليها أم لا، وكانت المفاجئة أن تذكر الغربان وجهه، وصاحت تحذيرًا للغربان الأخرى، وفعلوا هذا مرارًا وتكرارًا على مدى سنتين على الأقل.
ذكاء الببغاء
وجدت دراسات حديثة أن الكثير من الطيور والحيوانات تستطيع تطوير مهارات معقدة، منها الببغاوات القادرة على صنع أدوات للحصول على الطعام، والقادرة على تعليم بعضها كيفية القيام بذلك. وقد استطاعت الببغاوات الذكية خلال التجارب، كسر أعواد رفيعة من قطع الخشب وتمريرها من تحت القفص، للحصول على الطعام الشهي الذي لا يمكنها الوصول إليه بنفسها.
ذكاء الببغاء كذكاء طفل في الثالثة.
يصنِّف العلماء الببغاوات على أنها من الطيور شديدة الذكاء، ويشيرون إلى أنها قادرة على تعلُّم العد إلى الرقم ثمانية، وقادرة على تعلُّم أسماء أطعمتها المفضلة، حتى إن بعض الببغاوات قادرة على تعلُّم معاني الكلمات. وبإمكان الببغاوات الرمادية فهم العلاقة السببية بمستوى فهم طفل في الثالثة من عمره. هذه هي النتيجة التي توصل إليها علماء ألمان ونمساويين من جامعة “جورج أوغست” في “غوتنغن” وجامعة “فينا”.
يصنِّف العلماء الببغاوات على أنها من الطيور شديدة الذكاء، ويشيرون إلى أنها قادرة على تعلُّم العد إلى الرقم ثمانية.
وقد استخدم العلماء تجربة بسيطة لأجل الحصول على نتائج تبين إمكانية الببغاوات على التفكير المنطقي؛ حيث كانوا يعرضون على الطيور قدحين بلاستيكيين متشابهين يحوي أحدهما على جوزة والآخر فارغ. بعد ذلك كان العلماء يخضُّون الأقداح لتتمكن الببغاوات من تحديد أي القدحين فيه غذاء. ونجحت جميع الببغاوات في تحديد القدح الحاوي على الغذاء.
الببغاء ذو العُرف
الببغاء ذو العُرف هو أحد أنواع الببغاوات المشهورة والقليلة في أستراليا وبعض دول آسيا، يُلقّب هذا النوع بالببغاء خبير السرقة، وذلك لقدرته على فتح معظم الأقفال. وبينت دراسة نشرتها جامعة فيينا، أن ذكر الببغاء من هذا النوع تمكّن من الحصول على حبة مكسراتٍ بعد فتح أحد الأقفال التي يتطلب فتحها منه أن يقوم بإزالة دبّوس، ثم برغي مسمار حلزوني، ثم مسمار آخر صغير، ثم إدارة عجلةٍ 90 درجة، ثم تحريك مزلاج القفل الرئيسي جانبًا.. وهي مهمة قد يصعب على الإنسان حلّها بسهولة، في حين تمكن هذا الببغاء من فعلها دون مساعدة خلال ساعتين فقط.
وجميعنا يعرف قدرة الببغاوات على محاكاة الأصوات، لكنها تتفاوت في قدرتها هذه لأسباب مختلفة، كما أظهر بعضها قدرات ومهارات تنمّ عن ذكاء قلّ مثيله في عالم الحيوان. وما يدعو للاستغراب فعلاً، هو ماهية السبب الذي يدفع هذه الطيور للتقليد بدلاً من تطوير لغة خاصة.
وجدت دراسات حديثة أن الكثير من الطيور والحيوانات تستطيع تطوير مهارات معقدة، منها الببغاوات القادرة على صنع أدوات للحصول على الطعام، والقادرة على تعليم بعضها كيفية القيام بذلك.
الهدهد ذكاء فطري
الهدهد طائر أنيق، يتسم بالذكاء واليقظة والحذر، وسرعة الملاحظة وقوة الذاكرة وسعة الحيلة، والإيمان الفطري والتسبيح اللاإرادي.. وبما وهبه الله تعالى من قوة الذكاء الفطري، يستطيع الهدهد تنظيف فريسته مما لا يفيده من طعام مثل الأصداف، والأجنحة، والأرجل، والزوائد الأخرى؛ وذلك بضرب فريسته في الأرض عدة مرات، ثم يمزق الفريسة المنظّفة بمنقاره، ويبتلعها قطعة قطعة.
يتميز الهدهد بسرعة كبيرة في الطيران، وله قابلية التخفِّي والدفاع عن النفس من مطاردة الطيور والحيوانات المفترسة بشكل رائع وسلمي، وذلك لامتلاكه أسلحة دفاعية متميزة، مثل التمويه بواسطة الاستحمام بالرمل والتراب ليتخفى من أعدائه، فضلاً عن استخدام رش الروائح الكريهة في المكان من غدة بقاعدة الذيل، كي يبعد كل من يقترب منه. كما يخدع الهدهد أعداءه الطائرين في السماء، بأن يلقي نفسه على الأرض مغيرًا شكله تمامًا، بحيث يختفي شكله كطائر، فلا يهاجمه الخصم.
صفوة القول
على الرغم من أن العلوم المكتسبة أدركت مؤخرًا قوة الملاحظة والتمييز والقدرة على التعبير في العديد من الحيوانات ومنها الطيور، إلا أنها لم تستطع أن تعرف بدقة قدرات كل كائن حي على إدراك الأحداث التي تمر أمام ناظريه، وعلى الانفعال بها، والتفاعل معها، ولا كيفيات عمل المخ في كل واحد من هذه الكائنات الحية، والاكتشافات الأخيرة في علوم سلوك الحيوان تؤكد ذلك وتدعو إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.