حماية البيئة.. عقيدة وسلوكٌ

إن حماية البيئة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي أولاً عقيدة تستقر في قلب المكلَّف، ثم عمل وتصرف يجري على السلوك ثانيًا. وإذا كان الإيمان اعتقادًا بالقلب وعملاً يجري على الجوارح، فالبيئة داخلة في هذه القاعدة. فحماية البيئة إيمان يستوطن القلب، وأفكار تستقر في الفكر ويصدقها العقل، وهي بعد ذلك فعل وسلوك وخُلق وعمل. ومعنى ذلك أن حماية البيئة من مقتضيات الإيمان، وأن صيانة الفضاء المخلوق من حولنا، من لوازم العقيدة الإسلامية ومن علامات كمال الإيمان. والسلوك المنسجم مع ضوابط حفظ البيئة وصيانة جمالها، من الخلق الجميل الذي يتجمل به المسلم في سلوكه وتصرفه اليومي. فإذا استقرت العقيدة السليمة في قلب العبد أثمر ذلك بالضرورة توجهًا نحو البيئة بالاحترام والتقدير، والمودة والتدبير السليم الرشيد. فالتربية البيئية تقوم على أصلين أحدهما عقدي معنوي هو الإيمان، والآخر عملي سلوكي هو الأخلاق. والأصل الثاني متفرع عن الأول ولازم عنه. ومعنى ذلك أن منهج التربية البيئية يكون بترسيخ قواعد إيمانية ثم تلقين قواعد السلوك.

الأصل العقدي لحماية البيئة

إن حماية البيئة يقوم على أصل ثابت، عنه تتفرع ثقافة البيئة، ومنه يستمد المكلف قوة معنوية تحمله على ممارسة تفاعل ذوقي وروحي مع البيئة من حوله. هذا التفاعل الذوقي هو الذي يوجه الإنسان تلقائيًّا -بطيب نفس منه وبانجذاب روحي ومعنوي يجد حلاوته في قلبه- نحو تقدير البيئة من حوله وتقدير مكانتها وجمالها.

وأجزم أن قيام التربية البيئية على هذا الأصل هو ما ينفرد به الفكر الإسلامي. فاعتبار حماية البيئة من مقتضيات الإيمان ومن الممارسة العملية للعقيدة والإيمان مما لا يكاد يذكر على ألسنة دعاة حماية البيئة في العالم المعاصر، ولا تجد له أثرًا في الأعمال والمؤلفات والمؤتمرات والمواثيق التي تتعلق بالبيئة في العصر الحاضر. فغاية ما تقوم عليه ثقافة البيئة في العالم المعاصر، التخويف من آثار دمار البيئة، والتحذير من الخلل المحتمل في الحياة المادية والصحية والنفسية للإنسان. لقد أصبح الكلام حول البيئة تخويفًا وتهديدًا، وانحصرت التربية البيئية في التعريف بالمخاطر وتوقع المفاسد، ووضع القوانين الزجرية.

إن حماية البيئة في سياق روحي جمالي بعيدًا عن التخويف والتهديد، واعتبار ذلك من مقتضيات الإيمان التي تلزم المكلف وهو يمارس حياته ويعبر من خلالها عن صدق إيمانه وسلامة عقيدته، هو الأصل الذي ينبغي للمسلم أن يستحضره بقلبه ويعيه بعقله. وهذه هي ثقافة البيئة التي يحق للمسلمين -بعد استيعابها والتمكن منها وتقديم النموذج من أنفسهم- أن يقدموها للعالم المعاصر، ويفخروا بأنها إضافة نوعية وقيمة مضافة، بها يكتمل بناء الثقافة البيئية في العالم المعاصر.

إن العقيدة الإسلامية التي تقوم على الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، توجب على من يحملها في قلبه أن يقدّر البيئة ويحفظها. ومعنى ذلك أن استقرار هذه العقيدة في القلب يصاحبها بالضرورة ثقافة بيئية تلقائية. ومن علامات سلامة العقيدة وكمال الإيمان، تصرُّف العبد تجاه البيئة على قاعدة المحبة والتقدير والحفظ والصيانة. فالإيمان تصديق وقول وعمل. فبعد الإقرار بالقلب والاعتراف باللسان، يلزم المكلف أن يأتي بالأعمال وهي الفرائض والواجبات في مجال العبادات والمعاملات اليومية. وكل نقص أو خلل في هذه الأعمال فهو نقص من إيمانه. فلا يتصور مسلم سليم الإيمان يستجيز تخريب البيئة والتساهل في حفظها وصيانتها. وكل عمل من ذلك فهو إما فساد في العقيدة، أو جهل بمقتضياتها ولوازمها. ويمكن بيان ذلك من خلال مجموعةِ قواعدٍ كلها داخلة في الإيمان الذي يستقر في القلب، ولكن مصداقها يجري على الأفعال، وتجلياتها في الحياة العملية اليومية، فيكون حماية البيئة من تجليات الإيمان. وجماع هذه القواعد هي:

• الكون كتاب مخلوق تتلى فيه آيات التوحيد، وتقرأ فيه علامات الجلال الإلهي، وتعرض فيه أمارات الكمال الرباني: إن من يتدبر آي القرآن الكريم، يجد أن الله تعالى يمتن على عباده بما خلق وأبدع مما هو مبثوث في الكون العلوي والسفلي، مما يشاهَد ومما لا يشاهَد. وقد أقسم بذلك فقال تعالى: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ)(الحاقة:38-39)، وقال – سبحانه وتعالى -: (فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)(المعارج:40)، وقال تعالى: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(إبراهيم:32-34). والمعنى المقصود من جميع هذه الآيات وما في معناها، أن الكون معرض للتعرف على الله تعالى وعلى وحدانيته وكماله وجلاله.

فالخلق علامة الخالق، والكون أمارة المكوِّن، والصنعة دليل الصانع. وعليه يكون الفضاء المحيط بالإنسان بجميع مظاهره وأجزائه -من أصغرها إلى أكبرها، من الذرات إلى المجرات وما بينهما من العوالم- معرضًا لتجليات التوحيد، أي معرفة وحدانية الله تعالى الخالق المدبر. فمعنى الوحدانية يتجلى في الكون في جميع أجزائه، ويظهر في كل لحظة من لحظات هذا الزمان المخلوق، وإن الوحدانية هي أسمى المعاني التي تستقر في قلب المؤمن، وإن نظره نظر العبرة في الفضاء من حوله يحرك فيه هذا المعنى الجميل للتوحيد. إن الكون يداعب قلب المؤمن ويحرك فيه أجمل المشاعر ويمنحه ألذ الأذواق، بما يريه من علامات الانسجام والتعاون بين أجزائه، وذلك يورثه اليقين بوحدانية ربه، والشعور بعناية خالقه به ورعايته له، وما أعظم أن يحس العبد بعناية ربه به وتعرفه إليه وتودده إليه. وهذا هو التفاعل الذوقي الوجداني مع الكون والبيئة الذي يورثه الإيمان في قلب المؤمن. فبهذا يتوجه العبد المؤمن إلى البيئة والكون توجُّهَ المعتبر القاصد وليس توجُّهَ العابث، فينظر إليه نظره إلى مواطن التعرف إلى الله تعالى ومعاينة آثار وحدانيته، ومشاهدة دلائل ربوبيته وجلاله، وارتشاف قبسات من سنى جماله – سبحانه وتعالى -.

• الكون معرض لتجليات أسماء الله الحسنى: إن الكون والفضاء المحيط بالإنسان موجود لا يمكن إنكاره، وكذلك ما يجري فيه من الأفعال العظيمة، وما يحدث فيه من التصرفات الحكيمة التي هي بمثابة ألوان هذا الكون وزينته ونوره وجماله. وهذه الأفعال العظيمة والتصرفات الحكيمة المشاهدة بعين اليقين، لتدل بعلم اليقين على صفات خالق هذا الكون وتُعرف بأسمائه. فالحقائق الجارية في الكون هي الحكمة، والعناية، والرحمة، والجمال، والنظام، والميزان، والزينة وغيرها من الحقائق والأفعال العظيمة الجميلة. ومن يشاهد هذه الأفعال ويقر بها، لا يمكنه أن ينكر فاعل تلك الأفعال، وهو الخالق، الحكيم، الرحيم، الجميل، الحكم، العدل. ومعنى هذا أن الكون يدل على أسماء الله الحسنى مثل دلالة ضوء النهار على الشمس. فبمقتضى الإيمان ينظر العبد بعين التحسين والتقدير لكل المخلوقات من حوله، لأنه يرى فيها ومن خلالها قبسات من جمال الله تعالى، وعلامة من علامات جلاله. ومعنى ذلك أن الكون معرض لتجليات أسماء الله الحسنى وصفاته العلا. ففيه يتجلى مثلاً جمال أسماء الله تعالى الخالق، البارئ، المصور، المحيي، المميت، الرزاق. فلا يمكن لمن ينظر بهذا المنظار أن يدنّس ما جمّل الله من مخلوقاته أو يشوّه منظر ما أبدع خالقه لأنه يعرفه بصفات ربه وأسمائه، فيستحيي أن يفسد جمال شجر أو نبات أو ماء، لأنه يرى فيه فعل الخلق والتحسين والتجميل من الخالق الجميل العظيم.

• تقدير الصانع بتقدير الصنعة: إن الكون -من منظور الإيمان- هدية ربانية ومنحة إلهية. فما من شيء يقع عليه نظر العبد من حوله، إلا هو من صنع الخالق البارئ المصور الذي أحسن كل شيء خلقه. وعليه يتوجه العبد إلى ربه بالمحبة لما يرى من نعمته عليه وفضله بما خلق وأبدع. ومن لوازم محبة الخالق – سبحانه وتعالى – وتقديره، العناية بخلقه وتقدير صنعته.

• الكون مخلوق طاهر مزين: لقد خلق الله تعالى الكون على أجمل صورة وأحسن هيئة، مزيَّنًا طاهرًا كما قال تعالى في كتابه: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ)(الملك:5)، وقال عز من قائل: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ)(ق:6-11). وإذا استحضر العبد أن الله تعالى خلق الكون طاهرًا وجعله مزيَّنًا، استحيا أن ينجّس ما طهّر الله تعالى. ومن عرف أن البيئة من حوله هدية جميلة مزينة من الله تعالى هو الذي أبدعها ومنحها بهجتها، فكيف يستجيز لنفسه تغيير خلق الله وإفساد جماله وتدنيس بهجته!؟ وقد حذر الله تعالى من ذلك فقال: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم:41)؛ فحذر الله تعالى الناس من فساد البيئة من حولهم، وأن ذلك إنما هو بفعل الإنسان.

• شكر المنعم بشكر النعمة: ومن مقتضيات الإيمان أيضًا، أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان وينتفع منها، نعمة من الله تعالى. والنعمة تقتضي الشكر، ومن شكر نعمة البيئة رعايتها وصيانة جمالها. فمن أفسد البيئة فقد كفر نعمة الله تعالى عليه. فهذه كلها قواعد يستلزمها الإيمان عندما يستقر في القلب. فمن آمن بقلبه توجه إلى البيئة من حوله بالتقدير والحفظ والصيانة، لأنه يرى فيها معرضًا لمعرفة ربه تعالى ومعرفة جلاله وجماله ووحدانيته وأسمائه وصفاته، ويرى فيها هدية إلهية ومنحة من ربه له فينظر إليها بعين التقدير والاحترام، ويستحيي أن يفسد ما جمّل الله، ويحذر أن يدنّس ما طهّر الله وزيّنه.

ولهذ كله جعل الرسول – صلى الله عليه وسلّم – حماية البيئة من شعب الإيمان فقال – صلى الله عليه وسلّم -: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول “لا إله إلا الله” وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” (رواه مسلم). فإماطة الأذى عن الطريق معناه كَفّ الضرر عن الفضاء العام. فبيّن – صلى الله عليه وسلّم – أن حفظ البيئة وصيانة الفضاء العام، من الممارسة العملية للإيمان. ومعنى ذلك أن الإيمان يحمل المؤمن على تقدير البيئة من حوله وحفظها، وعلى التخلق تجاهها. ولهذا فإن للبيئة أصلاً خلُقيًّا يتفرع عن هذا الأصل العقدي الإيماني، لأن من رسخ هذا الاعتقاد في قلبه، ظهر حسن الخلُق في سلوكه وتعامله مع البيئة من حوله.

الأصل الخلُقي لحماية البيئة

ومعنى الأصل الخلقي لحماية البيئة، وجود كثير من الأخلاق التي يتوجه بها المسلم إلى البيئة من حوله. فالأخلاق إنما هي آداب التصرف وقانون التعامل مع العالم الخارجي بجميع أجزائه من عالم الإنسان، وعالم الحيوان، وعالم النبات وسائر مظاهر الفضاء الخارجي والبيئة المحيطة. فحُسن الخلُق هو هندسة الجمال في السلوك البشري، وهو الجمال الحقيقي الذي يتزين به الإنسان قبل جمال الصورة والمظهر. وحُسن الخلُق هو جمال السلوك مع العالم، والعالم هو كل ما سِوى الله تعالى وهو جميع المخلوقات. ولهذا فإن حماية البيئة من منظور الفكر الإسلامي، يقوم على اكتساب سلوك التعامل مع الفضاء الخارجي. ولهذا نجد في السنة النبوية -القولية والعملية- قواعد للتخلق مع البيئة وأصولاً للسلوك مع البيئة بجميع مظاهرها. والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة، وخلاصتها وجوب النظر إلى البيئة بنظر التقدير والاحترام، والتوجه إليها بالصيانة والرعاية، والحذر من إفساد خيراتها وتشويه رونقها وتغيير جمالها. وننقل بعض الشواهد الدالة على ذلك.

من ذلك حِرْص الرسول – صلى الله عليه وسلّم – على الغرس والزرع، حتى يتجدد جمال البيئة ويحفظ رونقها ويمتد نفعها. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلّم -: “ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة” (رواه البخاري)، وعنه – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلّم – قال: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها” (رواه الإمام أحمد).

وكان – صلى الله عليه وسلّم – يحذر من قطع الشجر ونحوه من الخيرات والثروات البيئية، من ذلك قوله – صلى الله عليه وسلّم -: “من قطع سدرة صوَّب الله رأسَه في النار” (رواه أبو داود)، وحذر – صلى الله عليه وسلّم – من تنجيس الفضاء العام ووجوب حفظه وتطهيره، فنهى عن التبول أو التغوط في الطرق والماء وتحت الأشجار وفي الأماكن العامة التي يرتادها الناس، وبيّن أن ذلك قبح ومعصية تستوجب لعنة الله تعالى، وذلك بقوله – صلى الله عليه وسلّم -: “اتقوا الملاعن الثلاثة البراز في الموارد وقارعة الطريق والظّل” (رواه أبو داود).

وحث على إزالة الأذى عن الطريق، وأنه من الطاعات التي يستحق فاعلها الأجر والثواب والمغفرة. قال – صلى الله عليه وسلّم -: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له” (رواه البخاري)، وقال: “وتميط الأذى عن الطريق صدقة” (رواه مسلم)، وأمر – صلى الله عليه وسلّم – برعاية الكائنات الحية والحيوانات، ونهى عن تعذيبها وإهمالها. يكفي من ذلك إخباره – صلى الله عليه وسلّم – أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها، فلم تطعمها ولا هي تركتها حرة تأكل من خشاش الأرض، وأن رجلاً دخل الجنة بسبب كلب عطشان فسقاه.

والأحاديث في هذا المجال كثيرة جدًّا، وخلاصتها أن من خلُق المسلم احترام البيئة من حوله، ورعايتها، والإسهام في حمايتها وتجديد رونقها، والنظر بالرحمة إلى الكائنات… فهذا كله من أخلاق الإسلام ومن صفات المسلم. فيتأكد من هذا أن لحماية البيئة أصلاً خلُقيًّا، وأن التعامل الحَسَن مع البيئة من أخلاق المسلم التي يحصل نفعها في الدنيا لعامة الناس بحفظ البيئة وصيانتها، وفي الآخرة بالأجر والثواب والمغفرة.

إن العقيدة الإسلامية التي تقوم على الإيمان بالله تعالى ووحدانيته، واتصافه بصفات الكمال والجلال والجمال، وأن الكون بكل ما فيه وما يحدث فيه، من خلقه تعالى وتدبيره. هذه العقيدة تقتضي ممن يحملها في قلبه، أن ينظر بعين التقدير والاحترام إلى البيئة من حوله، لأنها من خلق الله، ومن نعمته ومنحته، تذكره بربه وتعرّفه بكماله وجلاله وجماله. فبذلك يتوجه إلى البيئة بالمحبة، ويمارس معها تفاعلاً ذوقيًّا، فيكون خلُقه حسنًا مع البيئة من حوله. فلحماية البيئة في الفكر الإسلامي أصلان عليهما تقوم، وهما الأصل العقدي، والأصل الخلقي، لأن العقيدة الإسلامية توجب احترام البيئة، والأخلاق الإسلامية تحتّم حُسن التعامل مع العالم الخارجي ومنه البيئة بجميع مظاهرها.

(*) كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير / المغرب.