حراء تعالج قضايا جوهرية في عددها الجديد

منذ أيام قلائل، وبعد انتظار وترقب طال شهرين، أطلت علينا حراء المحبوبة بعددها التاسع والخمسين، وفيه تواصل مسيرتها في معالجة قضايا الواقع واستشراف آفاق المستقبل، حاملة لنا نخبة من المقالات الفكرية والتربوية والعلمية والأدبية والثقافية، كتبها مجموعة من كتابنا الأعزاء. مبتدئة بمقالها الرئيس “جنون القوة” والذي يُداوي فيه الأستاذ العلامة “فتح الله كولن” أدواء الأمة، ويعالج جروحها التي دائما ما تؤرقه وتبعد النوم عن عينيه، ويوضح أننا نعيش في عصر يموج بآلاف من التناقضات المتداخلة، وأن أبرز خاصية فيه هي التضحية بالحق في سبيل القوة وطغيان المصلحة على كل القيم والمثل، وأن هذه القوة الغاشمة هي سر ما نعيشه من سلسلة أزمات وأحداث ومشكلات…ويرشدنا الأستاذ إلى أن العلاج الناجع والحل لهذه المشاكل لن يكون إلا بالتعايش مع الآخرين، وأن يستسلم ممثلو القوة للحق، وأن تكون القوة في يد الحق وتحت إرشاد المنطق والمحاكمة العقلية.

ولا تبخل علينا كعادتها مجلتنا بالمقالات العلمية الشيّقة ففيها نقرأ مقال الدكتور محمد السقا عيد “عالم الصوت الغامض” ما سر تنوعه وكيف يتكوّن وكيف ينتقل وكيف يُستقبل؟ وبعده ينقلنا الدكتور ناصر سنه إلى عالم النبات الرائع الغريب، ويعرفنا على “النباتات اللاحمة”، ثم ينتقل بنا الباحث خلف أبو زيد إلى البحار وأسرارها ويكشف لنا عن كنوزها وثرواتها.

وتغوص مجلتنا في القضايا الفكرية فيقدم لنا الدكتور سعيد شبار “من أجل منهاج قرآني تجديدي في الفكر والعلوم الإسلامية” ويوضح لنا أننا بحاجة إلى إعادة بناء العلوم الإسلامية من خلال الأصل الذي انطلقت منه كتابًا وسنة.

ولما كانت التنمية غاية المجتمع ومسعى الجهود المبذولة؛ لزم القول بأن أبناء الأمة الخاتمة لا بد أن يعوا ضرورة وصل التنمية بالتزكية، وربط أسباب الحسّ بأسباب المعنى؛ حتى تتحقق لهم الخاتمية والخيرية، وهذا ما قدمه لنا الدكتور وديع أكونين في مقاله “الأخذ بالأسباب المعنوية”.

ويعرفنا الباحث أحمد فتحي حجازي على عدة محاور يتكون منها الفهم الكلي والصحيح لمصطلح التجديد في الإسلام من خلال مقاله “التجديد محاولة لفهم المصطلح”.

وبعد ذلك يأتي الباحث أسامة شهوان ويرصد آفاق العقلية التصورية ووسائلها عند الإمام النورسي رائد رواد الفكر في العصر الحديث.

ولا بد أن يكون بعضنا مثل قلم الرصاص كما يخبرنا الباحث محمد المنصوري، يَستحسن الجديد، ويسمح بالتغير، ويرحب بالإضافة والتنوع، ويتسع أُفقه للحوار، لا تُوغر صدره الأفكار الجديدة، ولا يضيق فكره بالاختلاف، مرحبٌ على الدوام بكل جديد نافع، ومنفتح على كل قديم صالح، مادام فيه خير وصلاح.

وفي مجال الفكر يعالج عبد الرازق بلعقروز أزمة القيم في مقال بعنوان “الفراغ الأخلاقي المعاصر وواجب تجديد منظومة القيم”.

ويتناول الدكتور عبد الرحمن الطيب “الأزمة الاقتصادية وطرق إدارتها.. يوسف عليه السلام نموذجا” ويتحدث عن مشروع إصلاحي متكامل الأبعاد لم يتوقف عند الجانب الاقتصادي فحسب بل جاء لإصلاح النفوس من براثن الجاهلية ثم انتقل لإصلاح مجالات الحياة

ومن القضايا الفكرية إلى التربية والثقافة فيحدثنا الباحث عبد العزيز الإدريسي عن “مدارس الخدمة” التي استطاعت بناء إنسان المستقبل بناء شموليا تكامليا بأن تجمع فيه بين الروح والعقل، بين العلم والإيمان، بين الابداع والاتباع، بين الفكر والفعل، كل ذلك في تناغم مع متطلبات العصر؛ حتى يكون لبنة صالحة في الأسرة التي هي المؤسسة الكبرى التي يسقى منها الفرد حظه من العاطفة والرعاية والحماية والتوجيـه والتعليم الاجتماعي لمنظومة القيم الاجتمـاعية لذلك لم تغفل مجلتنا الأسرة فقدمت لنا “إستراتيجيات في التواصل الأسري” للدكتور عبد الله صدقي.

وعن القيادة وماهيتها وكيف تتحقق قوتنا السياسية المنشودة نقرأ للباحث فوزي بسام “هل مشكلتنا مشكلة قيادة؟”.

وبعد ذلك عزيزي القارئ هل سمعت عن “رجال القلوب الضارعة؟” إنهم الغيث المغيث لمجدبات الأرواح، وقاحلات العقول، وعيون غيوثهم لا تنضب أبدًا، وعطاؤهم لا يتوقف عند حد، صلاتهم فناء بالله، وبقاء به، فهم بين فناء وبقاء في غدو ورواح، على منابع أرواحهم يرِد العطاش، ومنها ينهلون. عن هؤلاء تقرأ للأستاذ أديب الدباغ في مقال نثري أدبي قمة في الروعة والبيان. وبعده يحلِّق بنا الدكتور حسن الأمراني في سماء الشعر بأنشودته “سلامًا”

وفي نهاية الرحلة تأتي لنا حبيبتنا بمقال هو مسك الختام للدكتور جمال الحوشبي يستحكي فيه النصوص القرآنية ويجلي وسائل المبطلين والمفترين وذوي الدعايات السوداء لصد أهل الحق عن متابعة مسيرهم والتسلط عليهم والمكر بهم ونسوا أنها ما هي إلا أيام ويلبي كل منا النداء وستتجلى الحقائق في دار القسط وكل شيء سيوضع في ميزانه، و”سيعلمون غدًا من الكذّابُ الأشِرُ”.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص شكرنا وتقديرنا لمجلة حراء وللقائمين عليها داعين المولى عز وجل ألا تنقطع عنّا وأن ينفع بها. وإلى لقاء قريب مع العدد الجديد.

لقراءة العدد التاسع والخمسون وتحميله بضغطة واحدة من هنا: العدد التاسع والخمسون