إن القصة وسيلة من الوسائل التربوية لإعداد النشء، بل تعد من أقدم هذه الوسائل. ولقد استُخدِمت القصة في التربية على مر العصور الإنسانية. واستقر رأي رجال التربية وعلماء النفس على أن الأسلوب القصصي، هو أفضل وسيلة نقدم عن طريقها ما نريد تقديمه للأطفال، سواء أكان قيمًا دينية أم أخلاقية أم توجيهات سلوكية أو اجتماعية. وتحتل القصة المرتبة الأولى في أدب الأطفال. ولقد أثبتت معظم الدراسات أن القصة هي الأكثر انتشارًا بين الأطفال وأن لها القدرة على جذب انتباههم؛ فهم يقرؤونها أو يستمعون إليها بشغف، ويتابعون أحداثها بمتعة وتركيز وانفعال، وينخرطون مع أبطالها ويتعاطفون معهم، ويبقى أثرها في نفوسهم لفترة طويلة.
والقصة من الفنون الأدبية التي عرفها الإنسان منذ القدم. فلقد كان الإنسان الأول يعيش في عالمٍ كله ألغاز، وكان عقله قاصرًا عن تفسير مظاهر الطبيعة، كالجبال والرياح والشمس والبراكين، ولذلك وقف أمامها وقفة الحائر الخائف، ثم اهتدى بعد ذلك إلى حلٍّ قنع به واطمأن إليه، فمنح الجماد روحًا كروحه، وتخيله يعيش كما يعيش، وفي سبيل ذلك أنشأ الأساطير، وما الأسطورة سوى القصة الخرافية.
وعلاقة الطفل المسلم بالقصة ليست حديثة، فالتراث الإسلامي يمتلئ بالكثير من القصص التي تصلح أن تروى للأطفال، كما أن الجدّات في كل زمان عندما يحاولن تسلية الأحفاد والترفيه عنهم، يقصصن عليهم قصصًا سواء أكانت خيالية أم واقعية، حتى صار يطلق على الجَدّة “الجَدّة الحكاءة”. ولكن ما موقف الإسلام من استخدام القصة في تربية الأطفال؟ وهل تصلح القصة لتربية الطفل المسلم؟
إن الإسلام لم يهمل القصة كوسيلة تربوية، وقد أدرك المسلمون ما للقصة من تأثير ساحر على القلوب، فاستغلوها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم، واستخدموا كل أنواع القصص؛ القصة التاريخية الواقعية المقصودة بأماكنها وأشخاصها وحوادثها، والقصة الواقعية التي تعرض نموذجًا لحالة بشرية، فيستوي أن تكون بأشخاصها الواقعيين أو بأي شخص يتمثل فيه ذلك النموذج.
والقصة التمثيلية التي لا تحمل واقعة بذاتها؛ ولكنها يمكن أن تقع في أي لحظة من اللحظات وفي أي عصر من العصور. وحيث إنه عن طريق القصة يمكن غرس الفضائل والقيم والمثل العليا والسلوك القويم في عقول الأطفال ونفوسهم، فإن القصة تصبح أداة صالحة لتربية الطفل المسلم. ولكن من أين نستقي القصص للأطفال؟
ينبغي ألا يلجأ كتّاب الأطفال إلى النماذج الغريبة عنا، المتنافرة مع ثقافتنا وقيمنا، إنما يجب أن يتخذوا نماذجهم من النماذج الإسلامية. وإن في قصص القرآن الكريم مادة ثرية للأطفال يمكن أن تروى لهم بصورة مبسطة. وكذلك في السيرة النبوية ومواقف الصحابة، والخلفاء، والرحالة المسلمين ما يغني الكتّاب عن استيراد أفكارهم من “والت ديزني” وغيره من تجار أدب الأطفال في العالم. ولو نظرنا نظرة متفحصة لقصص القرآن، لوجدنا فيها ما يحقق أهداف التربية الإسلامية بجوانبها الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية… إلخ. وتتميز القصة القرآنية عن سواها بثبوت الوقائع المسرودة، وعظمة الأداء المعجز، والأسلوب الذي لا يباري، كما تتميز بإقرار النتيجة أو العبرة صراحة. كما أن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكفي لتحقيق الغايات التربوية المنشودة لتربية الطفل المسلم.
وأستطيع أن أشير إلى بعض الأمثلة والاستنتاجات التربوية للقصص الديني في تربية الطفل المسلم على سبيل المثال لا الحصر:
• إذا كانت التربية تهدف إلى إكساب الطفل قيمة الأمانة، فإن في قصة تجارة الرسول صلى الله عليه وسلم في أموال السيدة خديجة رضي الله عنها لعبرة وعظة.
• إذا كانت التربية تهدف إلى إكساب الطفل قيمة العفو والتسامح، فإن في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل مكة يوم الفتح، مادة ثرية تصلح لغرس هذه القيمة في نفوس الأطفال.
• إذا كانت التربية تهدف إلى تربية الطفل على حب العمل، فإن في قصة سفينة نوح عليه السلام مادة تصلح لغرس قيمة العمل في نفوس الأطفال.
• إذا كانت التربية تهدف إلى تربية الطفل على التفكير العلمي وإعمال العقل، فإن في قصة إبراهيم عليه السلام ما يكسب الطفل هذه السمة.
ما أشرنا إليه، مجرد أمثلة، والمتوفر من مادة تصلح لقصص لتربية الطفل المسلم في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وحياة الصحابة، وقصص البطولات الحربية للقادة المسلمين الكثير والكثير.