الرُّطَب مضادًّا حيويًّا وميسّرًا للإنجاب

اسمي النخلة، من النباتات العريقة في القدم، والتي تكتسي اليوم أهمية اقتصادية كبرى؛ حيث أوفر العديد من المواد الأولية النافعة للإنسان من الناحية الغذائية أو الصناعية لما يستخرج مني من ألياف نسيجية. ومن أهم أنواعي؛ الفنقس أو نخل البلح. وبما أني أتمتع بمنفعة كبيرة، عرَفني العرب منذ القدم ولقَّبوني بـ”شجرة الحياة”. يصل علوّي إلى ثلاثين مترًا، وأبلغ مرحلة النضج في الثانية عشرة من عمري لأنتج عنيبات تعرف بـ”التمر”، تكون متجمعة على شكل سنبلة، وتحتوي على 70% من السكر. وأتكاثر عن طريق فسائل تخرج من قاعدتي المتصلة بالأرض. كما أتعاون مع الإنسان، خاصة عند تلقيحي الاصطناعي، حيث أنثر أزهار براعمي الذكرية على أزهاري الأنثوية. ويمكن في الظروف الملائمة أن أنتج كمية وافرة من التمر سنويًّا.

مراحل نموّي

الطلع: يعتبر الطلع أول ظهوري، ويبدأ بتلقيحي مباشرة بعد فترة قصيرة تمتد من أربعة إلى خمسة أسابيع.

الخلال: يعتبر الخلال، ثاني طور من نمو ثمرة تمري، وعند هذه المرحلة تبدأ ثمرتي بالاستطالة، ويصبح لونها أخضر، وتتصف بزيادة سريعة في الوزن والحجم.

البسر: يتصف طور البسر بالبطء في زيادة الوزن، ويتغير لون ثمرتي إلى اللون الأصفر أو الأحمر أو الأشقر، ومدته تتراوح بين ثلاثة وخمسة أسابيع.

الرطب: يبدأ الرطب في ذنب مرحلة البسر، ثم يعمها فتصبح ثمرتي رطبًا، وبالتالي تصبح مائية وحلوة، وتتراوح الفترة ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وهو الطور النهائي لثمرتي.

قيمتي الغذائية   

يحتوي تمري على قيمة غذائية عالية، ويعتبر قوتًا أساسيًّا للإنسان منذ القدم. وكذلك تعتبر ثمراتي أغنى الفواكه احتواء على السكريات، وقد تختلف هذه المكونات حسب طبيعة ثمرتي سواء كانت رطبة أم نصف جافة أو جافة، وحسب الظروف البيئية المحيطة بأشجاري. وقد تختلف مكونات ثماري باختلاف أصنافي، وتزيد نسبة السكريات داخل تمرتي على 70-78% من مكوناتي، حيث تتميز هذه السكريات بسرعة امتصاصها وانتقالها إلى الدم مباشرة وهضمها وحرقها. إن تناول 15 حبة يوميًّا من تمري (حوالي 100 جرامًا) يغني عن كامل الحاجة اليومية من المغنيسيوم والمنجنيز والنحاس والكبريت، ونصف الحاجة من الكالسيوم والبوتاسيوم.

القيمة الغذائية لعيّنة من رطبي

الكربوهيدرات 75 غ
سكر 63 غ
ألياف غذائية 8 غ
الدهون 0.4 غ
بروتين دائب 250 مغ/100 غ المادة الطرية
مياه 73%
بروتينات عامة 55.4 مغ/غ المادة الصلبة
فيتامين ج 1% 0,4 مغ
منغنيز 0.262 مغ
الفوسفاط 25.1 مكرغ/غ المادة الصلبة

 

اختص الله عز وجل الرطب بفضائل كثيرة، حيث إنها مصدر خير وبركة. وأشارت الآيات القرآنية إلى منزلة الرطب في قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)(مريم:25)، كما ورد في حديث مرفوع أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: “أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران ” (رواه أبو نعيم). وقد جاء ذكر التمر في السنة النبوية؛ فعن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : “بيت ليس فيه تمر جياع أهله” (رواه البخاري). والاقتصار على الرطب عند الإفطار له فائدة طبية؛ وهي ورود الغذاء إلى المعدة بالتدرج حتى تتهيأ للطعام، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولاً إلى الكبد وأحبه إليه ولا سيما إن كان رطبًا فيشتد قبولها له.

والرطب سيد الفواكه، ومقوٍّ للكبد، مليّن للطبع، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن، وهو فاكهة وغذاء ودواء وشراب، وإنه يحتوي على مضادات بكتيريا التعفن بعد الولادة. بالإضافة إلى أنه يتكون من مواد تمنع النزيف أثناء وعقب الولادة، كما أنه مخفض لضغط الدم عندما تتناولها الحوامل. إن رطبي وتمري فاكهة حلوة ممتازة غنية جدًّا بالمواد الغذائية الضرورية للإنسان، وإن ما أعطيه في الكيلو الواحد من البلح يعادل ثلاثة أضعاف ما يعطيه كيلو واحد من السمك.

ويحتوي رطبي على فيتامين (أ) بنسبة عالية تعادل زيت السمك والزبدة، وفيتامين (أ) -كما هو معروف- يساعد على زيادة وزن الأطفال، ولذلك يطلق عليه الأطباء اسم “عامل النمو”، وكذلك فيتامين (ب2) لتقوية الأعصاب، وتليين الأوعية الدموية، وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهابات والضعف.

وهناك صفة نفسية مهمة لرطبي وتمري، وهي أنه يضفي السكينة والدعة على النفوس القلقة المضطربة.ويردّ الطب الحديث المزاج العصبي، إلى نشاط الغدة الدرقية الرابضة في مقدم العنق، وإلى ازدياد فرزها.

ورطبي -كذلك- غني بعدد من أنواع السكر؛ كالجلوكوز، والليكوز، والسكروز، ونسبتها تبلغ حوالي 70%، ولذا فإنه وقود من الدرجة الأولى، لسرعة امتصاص سكري، إذ لا يحتاج إلى عمليات هضمية وعمليات كيماوية حيوية معقدة. أساهم في منح الحرارة والقدرة والنشاط، بل أنا مدرة للبول وغسل الكلي وتنظيف الكبد.

من منافع رطبي أيضًا؛ خفض نسبة الكولسترول بالدم، والوقاية من تصلب الشرايين، وذلك لاحتوائه على البكتين. ويمنع الإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة، والوقاية من مرض البواسير، ويقلل تشكل الحصيات بالمرارة، ويسهل مراحل الحمل والولادة. وكما ينشط الوقاية من السموم لاحتوائه على الصوديوم والبوتاسيوم وفيتامين (ج). بالإضافة إلى إسهامه في علاج فقر الدم (الأنيميا) لاحتوائه على الحديد والنحاس وفيتامين (ب2).

ومن منافعي -أنا النخلة- الأخيرة بعد بحوث قام بها الباحث عبد المجيد بلعابد من المغرب، وجود بعض المضادات الحيوية في رطبي؛ قامت التجربة على نساء تعرضن للتعفن البولي مباشرة بعد الحمل، حيث أُخذ منهن عينات من البول، وأجريت زراعة البكتيريا الموجودة بالبول وهي عبارة عن “Escherichia Coli” بوسط يحتوي على مكونات الرطب مقارنة مع آخر بدون هذه المكونات. والنتيجة أن مكونات الرطب، لها أثر إيجابي على وقف تكاثر هذه البكتيريا مع حماية المرأة النفساء من هذا التعفن السهل والمتكرر.

أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة، أن تناول الرطب أثناء المخاض له فوائد كثيرة، وذلك لاحتوائه على مادة مشابهة للأوكسيتوسين الذي يقوم بدور المحرض للمخاض ويساعد على الولادة. إن مادة الأوكسيتوسين تساعد على تنظيم تقلصات الرحم أثناء الولادة، وانقباض الرحم بعد الولادة، وتمنع تعرض المريضة لحمى النفاس، لأن الرحم الذي لا ينقبض جيدًا بعد الولادة، يكون أكثر عرضة لهجوم الجراثيم، مما يسبب الإنتان النفاسي.

 

(*) جامعة محمد الأول، كلية العلوم، وجدة / المغرب.