الخلايا الجذعيّة وعلاج الأمراض المستعصية

خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009 وألقى كلمة موجهة للعالم أجمع، بشر فيها بتقنية العلاج بالخلايا الجذعية وأنها اكتشاف علمي خطير ومهم سيكون السبيل لعلاج كثير من الأمراض، وتنفيذًا لما جاء في برنامجه الانتخابي قرر أوباما رفع الحظر عن استخدام الأموال الفيدرالية في تمويل أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، معتبرًا ذلك دعمًا قويًّا للباحثين في هذا المجال الذي مازال في طور البحث، وسيحتاج لإقراره سنوات عدة وأسند مسؤولية متابعة تلك الأبحاث وإعداد خطوط استرشادية لها، لمعاهد الصحة الوطنية في أمريكا.

تعتبر الخلايا الجذعية إحدى الحلول الواعدة التي يقوم الأطباء والباحثون بدراستها يوميًّا من أجل علاج عددٍ كبيرٍ من الأمراض المستعصية باستخدامها، وهي إحدى الاكتشافات الطبيّة التي قد تتسبّب في تغيير الطب بأكمله وطرق علاج الأمراض المختلفة والمستعصية منها على العلماء والأطباء إلى الوقت الحالي يطلق عليها أيضاً مسمى الخلايا الجذرية، وهي عبارةٌ عن مجموعةٍ من الخلايا الحيّة، ولكنها غير متخصّصة في وظيفةٍ معيّنةٍ في جزءٍ من أجزاء جسم الإنسان، ولكن من الممكن أن تتحوّلَ لخلايا متخصّصة مع وجودِ ظروفٍ، وعوامل تساعد في تحوّلها، فهي تستطيع تكوين أيّ نوع من الخلايا في جسم الإنسان، كالخلايا العصبيّة، وخلايا الكبد، وخلايا البنكرياس وغيرها، وعندما تنقسم هذه الخلايا بالبلايين منها ممكن أن تكوّن خلايا جديدة بحسب المحيط الذي توجد به، مثال ذلك: لو زُرعت هذه الخلايا في قلب مريض يمكن أن يشفى، وذلك بتكوين خلايا جديدة تقوم بعمل الخلايا التالفة فيه، وإن زُرعت في الكبد المتليّف فهي تجدّد خلاياه المتليّفة، وتعيد له القدرة على القيام بوظيفته بشكل طبيعيّ كما كان سابقًا، إذن فلها القدرة على تجديد الخلايا التالفة في الجسم وفي أي مكان فيه.

أنواع الخلايا الجذعيّة

تنقسم الخلايا الجذعيّة إلى نوعين رئيسين، وهما: الخلايا الجذعيّة الجنينيّة والخلايا الجذعيّة البالغة. ويوجد فرقٌ رئيسيٌ بين أنواع الخلايا الجذعيّة، فالخلايا الجنينيّة لها قدرةٌ كبيرةٌ على معالجة الأمراض، والإصابات بوقتٍ قصيرٍ جدًا، من خلال إنتاج إنزيم تيلوميريز؛ وذلك لقدرتها على الانقسام السريع، أما الخلايا البالغة فتقلّ قدرتها على معالجة الأمراض؛ لأنّها غير قادرة على إنتاج كميةٍ كافيةٍ من إنزيم تيلوميريز، وتحتاجُ أيضاً لفتراتٍ زمنية طويلةٍ للقيام بعملها بكفاءة.

مصادر الخلايا الجذعيّة

توجد مجموعةٌ من المصادر التي يتمّ الحصول من خلالها على الخلايا الجذعيّة، وهي: مشيمة الطفل حديث الولادة، والحبل الشوكيّ والأنسجة الداخلية عند الأطفال والبالغين، الاعتماد على الاستنساخ كوسيلةٍ لنسخ الخلايا الجذعيّة، ونخاع العظام.

الخلايا الجذعية … نبذة تاريخية

يعد د. دونال توماس Donnall Thomas من جامعة واشنطن هو أول من استخدم تقنية زراعة نخاع العظام في الستينيات ، ونال جائزة نوبل عام 1990 لاكتشافه إمكان استخدام الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض، وفي عام 1998 تمكن د. جون جيرهارت John Gearhart من جامعة هوبكنز من استنبات خلايا جذعية مأخوذة من كتلة الخلايا الداخلية لجنين بشري، وفي عام 2007 استنبت د. جيمس طومسون James Thomson وفريقه من جامعة كاليفورنيا خلايا الكتلة الداخلية للحويصلة الجذعية، وتأكد من قدرتها على إنتاج خلايا متخصصة، وفي نهاية عام 2008 نجح فريق طبي في برشلونة برئاسة الإيطالي د. باولو ماشياريني من زراعة جزء من قصبة هوائية تم تكوينه من خلايا جذعية في المعمل، وقد يؤدي مرض انسداد الأوعية  Buerger’s disease  إلى بتر بعض أجزاء القدم، وفي نهاية عام 2009 أجريت محاولة حقن الخلايا الجذعية المستمدة من نخاع المتطوعين المعرضين للبتر؛ وكانت النتيجة مشجعة، وفي 5 ديسمبر 2011 أعلن د. ريتشارد هارفي Richard Harvey بسيدني إمكان علاج الأزمات القلبية بتنشيط الخلايا الجذعية وزراعتها في موضع الإصابة لتتحول إلى خلايا قلبية، وفي 12 ديسمبر 2011 أعلن كوجي ايتو Koji Eto الأستاذ بجامعة كيوتو باليابان عن إنتاج صفائح دموية للمرة الأولى في العالم باستزراع خلايا جذعيه مأخوذة من شخص بالغ، وأعلن مركز بحوث جامعة تكساس في 6 يناير 2012 أن زراعة خلايا جذعية مأخوذة من نخاع عظام 10 أطفال مصابين بالمخ نتيجة الحوادث آمنة ومشجعة. وفي 7 يناير 2012 اكتشف باحثون في نيويورك خلايا جذعية مخبؤه داخل الطبقة الصبغية للشبكية في العين؛ قد تستخدم لترميمها وعلاج العمى بكل أشكاله.

أمراض يمكن علاجها بالخلايا الجذعيّة

الباركينسون والزهايمر: تشكّل الخلايا الجذعية أملاً واعداً لدى الأطباء في علاج العديد من الأمراض المختلفة كمرض الباركينسون والزهايمر والذي تجرى الأبحاث على علاجهما باستخدام الخلايا الجذعيّة عن طريق إنتاج خلايا جذعيّة عصبيّة جديدة. فقد أكد العلماء أنهم الآن أقرب من أي وقت مضى لإيجاد علاج شاف لداء باركنسون باستخدام خلايا رئيسية مستخلصة من الأجنة، حيث أثبتت التجارب التي أجريت على الفئران المخبرية باستخدام الخلايا الجذرية الجنينية التي تستطيع أن تتخصص إلى أي نوع ممن أنسجة الجسم، والتي يمكن أن يتم استنباتها بأعداد كبيرة. واستخدم العلماء هذه الخلايا حتى تنتج مادة (الدوبامين) عندما تزرع في أدمغة الفئران،
أمراض القلب والأوعية الدموية عن طريق ترميم الندوب التي تحصل في المرضى المصابين بالجلطات في داخل القلب والأوعية الدمويّة، وتهدف أبحاث أمراض القلب إلى فهم ما يحدث في أمراض القلب ومسبباتها، وإيجاد سبل لمنع الضرر أو لإصلاح أو استبدال أنسجة القلب التالفة، وما زال العلماء في طور العمل على ذلك حتى هذه اللحظة.

بالإضافة إلى الأورام السرطانية وخاصةً سرطان الدّم إذ يتم استخلاص الخلايا الجذعية من الدّم ونخاع العظم ومن ثم القضاء على الخلايا السرطانية في الدّم بشكل تام، وإعادة تكوين الدم باستخدام الخلايا الجذعية المستخلصة.

كما أنّ من الأمراض الأخرى التي يتمّ علاجها باستخدام الخلايا الجذعيّة هي فشل نخاع العظم والذي يتمّ علاجه عن طريق زراعة الخلايا الجذعية المطابقة في المريض.

كما يمكن استخدام الخلايا الجذعية لعلاج التشوّهات الناتجة عن الحروق حيث تمت زراعة الجلد في أشخاص فقدوا ما يقارب 80% من جلدهم نتيجةً للحروق، فنمت هذه الخلايا في مدّةٍ تقلّ عن ستة أشهر معوضةً عمّا يقارب 95% من هذه الحروق.

وهناك العديد من الدراسات المثيرة للاهتمام قام بها العلماء لاكتشاف نوع من الخلايا الجذعية يقوم بتأخير نشاط مرض التصلب المتعدد (اللويحي) وإصلاح ما تم إتلافه من الجهاز العصبي.

كما تتم زراعة خلايا الدم الجذعية مبكرًا لبعض مرضى الأمراض الاستقلابية لتعويض العطل أو الخلل في عمل الإنزيمات لعلاج أو تخفيف الأضرار الصحية الجسيمة التي تنتج عن تعطل الإنزيمات. وعلى الرغم من أن العين ذات خلايا مستقلة وهي هدف جيد للعلاج بالخلايا الجذعية، إلا أن الدراسات ما زالت قائمة لعلاج الضمور البقعي بالعين.

الخلايا الجذعية هل ستكون علاجا للسكري؟

عمل العلماء على دراسة استخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة لعلاج مرض السكري الذي عجز العلم عن إيجاد العلاج الجذري له ، والذي تعتبر جميع الأدوية الموجودة حالياً هي أدويةً تؤخذ طوال العمر للسيطرة عليه وليس علاجه بشكلٍ كليّ، فتجرى الأبحاث عن طريق حقن البنكرياس بالخلايا الجذعية التي تساعد على علاج المرض، فقد قام العلماء باستزراع الخلايا في تجويف في كلى الفئران التي وجدت لديها خلايا منتجة للأنسولين ليتمكنوا من معرفة قابلية تلك الخلايا على العمل وعندما ارتفعت معدلات السكر في دم تلك الفئران، قامت خلايا المخ الجذعية “المكتملة” بإفراز مادة الأنسولين. وبعد مرور أربعة أسابيع من تلك التجربة، استمرت تلك الخلايا الحية في إفراز الأنسولين ولم تتحول أي منها إلى خلايا سرطانية. تقول الدكتورة أنجيلا ويلسون، مديرة قسم البحوث بجمعية ديابيتيس يو كي: “هذه نتائج مثيرة للاهتمام وربما توفر مجالاً جديداً نضيفه لمجهوداتنا البحثية الرامية للتوصل لعلاج للسكري”.

وأضافت قائلة: “ما زال العمل في مراحل مبكرة وما زال ينتظر تحقيق النتائج نفسها لدى البشر”.

وتختتم بالقول: “بالتأكيد سنظل نتابع تطور هذا البحث باهتمام فائق”. فهل يا ترى سوف تكون تلك الخلايا هي الحل؟

علاج العقم بالخلايا الجذعيّة

أجريت العديد من الدراسات حول فاعليّة الخلايا الجذعية في علاج العقم عند كلاً من الرجال، والنساء، وكانت هناك نتائج إيجابية ونجاح كبير في الدراسات التي تخصصت في هذا المجال. ولقد أشار العديد من الأطباء واختصاصي أمراض العقم أنّ زراعة الخلايا الجذعية قد نجحت بنسبة تجاوزت خمساً وأربعين في المائة في علاج العقم، والدراسات جارية لتحسين وتطوير العلاج بها.

مخلقة وغير مخلقة

في ثنايا كلمتين إذن في القرآن الكريم كنز كبير من المعرفة يكشف العناية بالإنسان قبل مولده، ويدخر إيماءة لثورة مستقبلية قد تلغي طرق العلاج المعتادة اليوم بتقنية لم تكن في حسبان أحد حتى ستينيات القرن الماضي، ولم يكن بوسع بشر يوم نزل القرآن الكريم في القرن السابع الميلادي أن يصف تكوينات مجهرية في غاية الدقة، لذا فالنص آية على علمه تعالى وعنايته.

ويتبادر إلى الذهن سؤال ملح وهو: هل العلاج بالخلايا الجذعية حل مضمون وجذري أم مؤقت؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال حاليًا، لكن ما نستطيع قوله هو أنه تتم زراعة الخلايا الجذعية بنجاح، وهي حتى الآن من أفضل أنواع العلاج لبعض الحالات.

والسؤال الذي يطرح على جميع المهتمين من المختصين وغيرهم هل العالم بصدد قنبلة نووية جديدة لها تطبيقات سلمية محدودة وآثار مدمرة غير محدودة؟ وهل الانشطار النووي الخلوي البشري سيكون أشد خطورة على البشرية من الانشطار النووي الذري؟ وهل سيدفع هذا المسار البحثي الدول المتقدمة إلى التنافس في استخدام البشر كأدوات بحثية لأغراض اقتصادية وعسكرية؟ أترك لك عزيزي القارئ الإجابة على هذه التساؤلات؟