أم ما زلتَ ظمآنا ؟!

هل طفتَ بالبيت، أم ما زلتَ ظمآنا؟!         أم هيّج الشوق في جنبيك نيرانا؟!

وهل سعيتَ كما الأنفاسُ لاهثة              بين الشهيقين تسبيحاً وتحنانا؟

أرحتَ ترمل بين الأخضرين كما               تدفّقَ النبضُ في الأوصال ولهانا؟

وهل سمعتَ يمامَ البيت مبتهلاَ ؟           وهل قرأتَ بذاك الفجر قرآنا؟

علّقتُ قلبي بخيط الفجر فانبعثتْ           سجّادة الوصل في البيداء بستانا

كيف السجودُ الذي أرقاهُ يزرعني           بغير ذي الزرع نسريناً وريحانا

لهجتُ بالحب حيث القول طاوعني         تراهُ يعلن بعد اليوم عصيانا؟

يا جار بكّةَ طوبى للمقيم بها               لقد سكنتَ أعزّ الأرض أوطانا

تُجاور البيت حين الأرضُ موحشةٌ          لأنتَ آنسُ خلْق الله إنسانا

تُصافح الركنَ حين الناسُ في حرَدٍ        فأنتَ أوفرهم أهلاً وخِلانا

ما زلتُ أسأل وعيي أهو في سِنةٍ        من الأمانيّ أم هل باتَ يقظانا

أنا بمكةَ – إي والله- لا حلُماً              ولا ادّعاءً ولا وهماً وبهتانا

عيني تعانق ما طافت شواهقَها         وتلثمُ الأرضَ أنجاداً ووديانا

إني ألبّي وعين الله شاهدةٌ              ومِن صدى الوجد قد صُدّعتُ وجدانا

تَجَدّد العمرُ في عرفات وانغسلتْ       بالطهر نفسي وفاض القلبُ إيمانا **

زُلفى إليكَ رجالاً، قد أفاضَ بنا           فيضٌ من الشوق يحدونا، ورُكبانا

نرمي الجمار ويعلو الحقُّ منتصراً        والنحرُ سِيقَ بيوم النحر قربانا

ذي كعبةُ الله كيف اليومَ أبرحها؟!       وعشتُ أشتاقها عُمراً وأزمانا

يوم الوداع وداعِ العاشقين لها          أطوفُ والدمع في خديّ طوفانا

أرجّعُ الطرفَ والخُطواتُ حائرةٌ           مَن ذا يطيقُ لها بيناً وهجرانا؟!

يا رامة البيت قد أرمأتُ معتكفاً         أرجو وقد رانت الآثامُ غفرانا

يا رب أنتَ وعدتَ التائبين، وإن        ذنوبُهم بلغت كالموج إحسانا

اليومَ أُبنا وذُبنا ربنا خجلاً               ألستَ يا ساتر الكبوات منانا ؟

برحمةٍ منك يا مَن قبلَ تخلقنا         سمّيتَ نفسك يا رحمانُ رحمانا

__________________

**) تزامن يوم ميلاد الشاعرة ويوم عرفة في رحلة الحج الأولى لها، فكأنما وُلدت مرتين.