من الثابت تاريخيا أن العربي عرف الكتابة في الجاهلية، لكنه استعملها باقتضاب لمجموعة من العوامل، قد تكون على رأسها عدم توافر الوسائل: الورق والحبر.. ثم هيمنة سلطة الرواية. وجاء الإسلام ثورة على ما سبق، فغدا المسلم يستحضر الكتابة في جميع مناحي الحياة، وتحرر الحرف العربي من الاعتقال، إذ أصبح يساير الركب الإسلامي أينما حل وارتحل، فتسارعت مجهودات أبي الأسود الدؤلي ومن تبعه في إخراج الخط “الحرف” من الإبهام، والخوف من اللحن.
ذهب الكثير من العلماء والمؤرخين إلى أن حروف اللغة العربية، كلها مما علّمه الله تعالى آدم عليه السلام مع ما علمه من لغات أخرى، وانتهت اللغة العربية إلى نبي الله إسماعيل عليه السلام فهو أول من تكلم بها ونقلها عنه بنوه.
وما لبثت وتيرة سيمفونية الخط العربي تتلاحق وتتكامل، وتظهر في رونق جذاب، وتنسج معالمها بمجموعة من النماذج التي أصبحت حجر الزاوية في المنظومة الجمالية لهذا الحسن.
النشأة والتطور
ذهب الكثير من العلماء والمؤرخين إلى أن حروف اللغة العربية، كلها مما علّمه الله تعالى آدم عليه السلام مع ما علمه من لغات أخرى، وانتهت اللغة العربية إلى نبي الله إسماعيل عليه السلام فهو أول من تكلم بها ونقلها عنه بنوه، وعلى الرغم من اتّضاح ملامح الحروف العربية منذ القدم في أبناء إسماعيل عليه السلام، إلا أنها لم تتخذ شكلاً واحدًا في كل الأمصار العربية. فقد عرف العرب أنواعًا كثيرة من الخطوط التي يتّخذ الحرف في كل خط منها شكلاً مُغايرًا. فمن هذه الخطوط الخط الأنباري، والخط المكّي والخط المدني والخط الكوفي والخط البصري.
وواضح أن كل نوع من هذه الخطوط يُنسب إلى بلد معين، ورغم أن المراجع القديمة لا تمدنا بصفات الحروف وأشكالها في كل خط، إلا أننا نستطيع أن نتبين بعض الفروق من المخطوطات المنتشرة حاليًا في كثير من متاحف العالم، ومن الخطوط المنحوتة على الحجارة أو الصخور أو على جدران بعض الأبنية القديمة. وعلى كلٍ فإن الحروف العربية قد مرت برحلة طويلة قبل أن تصل إلى شكلها المعروف الآن.
اهتم المسلمون بتعليم الكتابة ونشرها، ففي غزوة بدر أسر المسلمون مجموعة من قريش وكان عددهم أكثر من سبعين رجلا.
ويذكر بعض العلماء أن الخط الحميري (حمير من القبائل العربية المعروفة في جنوب شبه جزيرة العرب وكانت حمير تستخدم النقوش المسندية في الكتابة -خط المسند- هو أقدم الخطوط في بلاد العرب، وكان مستعملاً في الأنبار (أنبار مدينة عراقية قديمة تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات) والحيرة (الحيرة مدينة تاريخية قديمة تقع في جنوب وسط العراق وهي عاصمة المناذرة وقاعدة ملكهم).
والخط الأنباري هذا هو الذي سُمي بالخط الكوفي لاحقًا. فقد كان هذا الخط معروفًا قبل بناء الكوفة. ولما ظهر الإسلام، وبدأ في الانتشار ازداد الاهتمام بالكتابة، وأصبح من الضروري أن تكون للحرف العربي صورة واحدة معروفة حتى تسهل قراءة القرآن وتتوحّد.
واكتمل شكل الحرف العربي، بعد انتشار الإسلام، فقد كانت الحروف العربية تُكتب بلا إعجام أي بلا نقط فوقها أو تحتها، فكان القارئ يعتمد على ذكائه، وعلى السياق في التفرقة ما بين حروف كالباء والتاء والثاء والياء والنون، أو بين حروف الجيم والحاء والخاء، أو الدال والذال، أو الفاء والقاف، وهكذا.
ولم تقتصر جهود اللغويين العرب القدامى والمحدثين على تطوير الشكل فحسب، بل قاموا بترتيب هذه الحروف إما وفق أشكالها، وهذا يعرف حاليًا بالترتيب الألفبائي، وإِما وفق الترتيب الأبجدي، وإِما وفق مخارجها وهو ما يعرف بالترتيب الصوتي، وقاموا بوصف صوت كل حرف من هذه الحروف كما تناولوها من الناحيتين المعجمية والصرفية.
وقد عد الباحثون والمؤرخون خط المسند القلم العربي الأول والأصيل وهو خط أهل اليمن وسمي بخط حِمير. وقد بقي قوم من أهل اليمن يكتبون بالمسند بعد الإسلام، ويقرؤون نصوصه، فلما جاء الإسلام كان أهل مكة يكتبون بقلم خاص بهم (دخلت الكتابة مكة المكرمة على يد حرب بن أمية بن عبد شمس، وكان قد تعلمها في أسفاره من عدة أشخاص منهم؛ بشر بن عبد الملك الكندي، الذي تعلم الخط العربي من أهل الحيرة، ثم أتى مكة في بعض شأنه فلقيه حرب بن أميه فرأه يكتب فسأله أن يعلمه الخط فعلمه، ثم تعلم مجموعة من فتيان مكة الكتابة من حرب بن أمية منهم: عمر بن الخطاب. عثمان بن عفان. طلحة بن عبيد الله. على بن أبي طالب. عبيدة عامر بن الجراح. معاوية بن أبي سفيان. ويزيد بن أبي سفيان تختلف حروفه عن حروف المسند ودعوه القلم العربي أو الخط العربي حيناً أخر تميزا له من المسند.
اهتم المسلمون بتعليم الكتابة ونشرها، ففي غزوة بدر أسر المسلمون مجموعة من قريش وكان عددهم أكثر من سبعين رجلا، فأرادوا إفداء أنفسهم بالمال، فقبل الرسول صلي الله عليه وسلم الفدية من الأميين وجعل فدية الكاتب تعليم عشرة من صبيان المدينة.
ثم اتخذ الرسول صلي الله عليه وسلم كُتابًا من أجلاء الصحابة لكتابة الوحي وكتابة الرسائل التي يبعثها إلى الملوك، ومنهم الخلفاء الأربعة. وزيد بن ثابت. ومعاوية بن أبي سفيان. وكانا ملازمين الكتابة بين يديه في الوحي وغيره، إلا أن زيد لكثرة كتاباته للوحي سمي كاتب الوحي.
ولقد كان للقرآن الكريم دور أساسي في تطور الكتابة العربية، ومن ثم فن الخط العربي. كما أن كتابة القرآن بهذا الخط أدت إلى إعلاء شأن هذا الأخير وإجلاله.
ولقد خضع الحرف العربي المخطوط عبر تاريخه لعمليتين إصلاحيتين أساسيتين.
العملية الأولى: إصلاح في المضمون نتج عنه زيادة التنقيط والحركات لضبط اللغة العربية في لسان الأعاجم على أثر الفتوحات الإسلامية
العملية الثانية: إصلاح في شكل الحرف العربي، أدى إلى تقنين رسم الحرف العربي، وتنسيق تركيبته، وتوازنه الشكلي وضبطه
وفي إيجاز يمكن القول أن تاريخ الحرف والخط العربي كالتالي: تكون الحرف العربي –الأبجدية العربية- في العصر الجاهلي (328م)، ثم تطورت بنية الحرف العربي – في عصر الرسول صلى الله عليه والخلفاء الراشدين (10- 40هـ/632-661م).
ثم كانت الحركة الإصلاحية الأولى (الحركات) عندما رسم أبو الأسود الدؤلي الحركات على شكل نقط ملونة مخصصاً لكل حركة لوناً العصر الأموي الأول(40-129هـ/ 661-747م).
ثم كانت الحركة الإصلاحية الثالثة (الإعجام) عندما وضع الإعجام نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر ووضعا النقطة في أصل الحرف باللون نفسه، العصر الأموي الثاني نهاية القرن الأول الهجري (القرن8م).
كان للقرآن الكريم دور أساسي في تطور الكتابة العربية، ومن ثم فن الخط العربي. كما أن كتابة القرآن بهذا الخط أدت إلى إعلاء شأن هذا الأخير وإجلاله.
ثم كانت الحركة الإصلاحية الثالثة (تبديل الحركات) عندما وضع الخليل بن أحمد الحركات الحالية لرفع الخلط الذي وقع بين نقط الإعجام ونقط الحركات، العصر العباسي (132-254 هـ /754-876)
وختامًا: الخط العربي لا يشكل أداة لتجسيد اللغة الحاملة للخصائص الحضارية والتاريخية والنفسية فقط، بل يحمل هذا الخط أيضًا أقدس رسالة اختص بها العرب إلى جميع بني البشر في الزمان والمكان، وهي آيات القرآن الكريم، وبهذا المعني أضحي الخط العربي يتمتع بميزة مقدسة لم تتوافر لغيره من الخطوط لكل اللغات المتعارف عليها في العالم، وبهذا المعني أيضًا اجتهد العرب وجهدوا ليمنحوا الأحرف العربية المكانة الأعلى والمنزلة الأرفع التي منها القرآن.
ولا نظن أمة من الأمم قد أولت الكتابة هذه العناية فجعلت منها فنا دقيقاً مفصل القواعد ثابت الأسس مقرر الضوابط مثل أمة العرب، ولا نخال خطًا أفاض نقاد الفنون في وصفه وتقرير هيئته وتشريح أجزائه، وإبراز معاييره الجمالية، وإثبات خصائصه، وما ينبغي أن تكون عليه مثل الخط العربي. وذلك لأن الحروف العربية ببساطة صورها إذا قيست بحروف الأمم الأخرى، ولا غرو فهي ليست أصلاً إلا خطوطا مستقيمة وأجزاء من الدائرة، كما أن الحروف العربية تمتاز بقله عدد صورها الناشئ من تشابه الحروف فالباء والتاء والثاء بصورة واحدة والجيم والحاء والخاء كذلك، والصاد والضاد، والطاء والظاء، والعين والغين، والفاء والقاف…