في ليلة القدر، أي في أواخر شهر رمضان المبارك، يتم ترتيب موكب ومراسيم “ليلة القدر” في قصر طوب قابي؛ لأن السلطان كان يؤدي صلاة التراويح في أحد الجوامع الكبيرة خارج القصر.
كان جامع آيا صوفيا في غالب الأحيان، هو الجامع الذي يصلّي السلاطين فيه التراويح في ليلة القدر. إذ كان الطريق بين قصر طوب قابي
وجامع آيا صوفيا يضاء بالمشاعل. وقد كان موظفو القصر الكبار، يشتركون في هذا الموكب مع الموظفين الكبار الذين يشتركون في موكب السلطان لصلاة الجمعة.
ولكن لم يكن السلطان يؤم الجماعة، بل كان يصلّي خلف إمام الجامع، ثم يعود الموكب بعد انتهاء الصلاة من الطريق نفسه إلى القصر.
مراسيم الإفطار القصريّة
كانت حفلات الإفطار في قصر طوب قابي في شهر رمضان مشهورة أيضًا. إذ كان من ضمن العادات والتقاليد، قيام السلاطين والوزراء وأركان الدولة الآخرون بتهيئة مآدب الإفطار. ومن المعلوم أن السلاطين كانوا يهيئون مآدب الإفطار، ويدعون إليها الوزراء والأمراء والسفراء الأجانب ورؤساء الأديان الأخرى. ومآدب الإفطار هذه، كانت من العادات المرعية، بدءًا من قمة المجتمع وانتهاءً بالطبقات الفقيرة.
كانت مآدب الإفطار العثمانية غنية بألوان الأطعمة، وتقدم ضمن الأصول العثمانية والتربية العثمانية الأصيلة والراقية، ويُشرك فيها الفقراء فتتجلى فيها صور التساند. وقد كان السفراء الأجانب المدعوون إلى هذه المآدب، ينبهرون بما يرون من ألوان الطعام والشراب، وبالجو الروحاني السائد فيها.
لم يكن أصحاب الأديان المختلفة فقط هم مَن يحضر هذه المآدب، بل العديد من الناس من الطبقات الاجتماعية المختلفة أيضًا. كان الإفطار في قصر طوب قابي يبدأ بشرب القليل من ماء الزمزم مع التمر.
تأدية صلاة العيد
عندما يتم توديع شهر رمضان تنطلق حركة محمودة لاستقبال العيد؛ حيث يتم تشكيل موكب سلطاني لاستقبال العيد. كان هذا الموكب -لا سيما في العهود الزاهرة للدولة العثمانية- موكبًا عظيمًا يعكس هيبة الدولة العثمانية وقوتها ومجدها بجلاء.
وغالبًا ما كان يختار السلطان جامع السلطان أحمد لصلاة العيد. وقد يتم اختيار جوامع أخرى كبيرة في أحيان قليلة، مثل جامع الفاتح، أو جامع بايزيد، أو جامع السليمانية، أو جامع “نوري عثمانية”، أو جامع آيا صوفيا. أما موظفو القصر فكانوا يصلّون العيد في أغلب الأحيان، في جامع آيا صوفيا، ويعودون مسرعين إلى القصر لإنجاز كل ما يتطلبه التهيؤ للعيد.
وبعد انتهاء مراسيم العيد أمام باب السعادة (أي باب قصر طوب قابي)، يركب السلطان جواده المزين سرجه بأنواع الجواهر ويرجع إلى القصر. يقف الصدر الأعظم والوزراء، لاستقبال السلطان بعد دخوله من الباب، ثم يركبون خيولهم ويمشون في ركابه وهو في طريقه إلى الجامع.
كان المكان الذي يصلّي فيه السلطان في الجامع، يهيأ من قبل مسؤول الخزينة (خزيندار باشي)، إذ يرافق الصدرُ الأعظم السلطانَ حتى موضع السجادة التي سيصلّي عليها، ثم يقوم برفقة السلطان أثناء الرجوع حتى الباب الأوسط.
بعدها يتم تناول طعام العيد في موضع اسمه “تحت القبة” (قبه آلتي) في القصر.
حاولنا هنا وصف المراسيم والتقاليد التي كانت سارية في ثقافتنا وتاريخنا عند الاحتفال بشهر رمضان المبارك في قصر طوب قابي العثماني.
وأرى كمؤرخ ضرورة إحياء هذه التقاليد وإن كانت بصورة رمزية، ذلك لأن هذه التقاليد مهمة؛ بحيث لا يجوز دفنها في طيات التاريخ وصحائفه.
* جامع آيا صوفيا قريب جدًّا، بل ملاصق تقريبًا لقصر طوب قابي. (المترجم)
(*) كاتب وباحث تركي. الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.
الهوامش