التبادل بين الإظلام والنور يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة وكمّيات الضوء اللازمة للحياة الأرضية في مختلف بيئاتها؛ كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة الحياتية من مثل التنفس، النَّتْح، التمثيل الضوئي، الأَيْض، كما يتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازيّ المحيط بالأرض، وتتم دورة الماء بين الأرض والسماء، ويتم ضبط حركات كل من الرياح والسحاب ونزول المطر بإذن الله تعالى وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للأرض أن تكون صالحة لاستقبال الحياة.
العقل البشري والنوم
فالإنسان يحتاج إلى أن يسكن بالليل، وإلى أن يخلد فيه إلى شيء من الاسترخاء والراحة والعبادة والنوم حتى يستعيد نشاطه البدني والذهني والروحي والنفسي، ويستجمع قواه للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض. وذلك لتعويض ما فقده الجسم من خلايا أثناء يقظته وترميم ما تلِف منها وتجديد ما يحتاج الجسم إلى تجديده. وقد ثبت بالتجربة أن مخ الإنسان هو أكثر أجزاء جسده حاجة إلى النوم. ولذلك يمنّ علينا ربنا تبارك وتعالى بجَعْل الليل للراحة والسكن، وجعل النهار للكدح والعمل فيقول عز من قائل:
ينظِّم نشاطَ جسم الإنسان بالنهار ويثبِّطه بالليل ما يُعرف باسم “الساعة الحيَوية”، وهي عبارة عن مركز في المخّ فيما يُعرف باسم “النّواة فوق التصالبة”
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (القصص: 72-74).
ومعنى ذلك أن الله تعالى قد جعل للإنسان دورةً يومية مع تعاقب الليل والنهار، يَبدؤها بالتبكير لصلاة الفجر، والقيلولة في الظهيرة، والاستيقاظ قبل صلاة العصر، وعدم السهر بعد أداء صلاة العشاء إلا لضرورة، وذلك لتوفير إمكانية القيام في الثلث الأخير من الليل لأداء سنة التهجد.
وقد ثبت بالتجربة العمَلية وبالتحاليل المختبرية أنّ أصحّ نوم الإنسان هو في الساعات الأولى من الليل (ثُلثَي الليل الأوّلان)، وأنّ نشاط جسم الإنسان يتحرك من حدّه الأدنى إلى حدّه الأقصى ثم يتراجع ليصل إلى الحد الأدنى في دورات منتظمة وفق خطة يومية ثابتة تحددها العوامل الوراثية وتضبطها أو تشوِّهها الممارسات الفردية.
ففي أثناء النهار ينشط في جسم الإنسان كل من أجهزته التالية: الجهاز العصَبي، الدوري، التنفّسي؛ كما يزداد إفراز كل من الهرمونات التي توفر الطاقة للجسم مثل “الكورتيزون” والهرمونات المحفّزه لإفرازه، وتزداد حاجة الجسم إلى الكربوهيدرات وفي مقدمتها السكر، وينشط تحليل كل من البروتينات والدهون لتعطي طاقة الحركة والنشاط للجسم.
بينما في الليل يزداد إفراز الهرمونات الداعية للجسم إلى الراحة والاسترخاء مثل “الميلاتونين” و “البورستاجلاندين”، كما تنشط دفاعات الجسم الذاتية من مثل الجهاز العصبي غير الوديّ، والجهاز الليمفاوي، وكرات الدم البيضاء، وغيرها من أجهزة المَناعة فى الجسم؛ بينما يقل إفراز هرمون “الكورتيزون” و “الأدرينالين”، و”الكورتزول” وكلها من الإفرازات المنشطة للجسم.
وينظِّم نشاطَ جسم الإنسان بالنهار ويثبِّطه بالليل ما يُعرف باسم “الساعة الحيَوية”، وهي عبارة عن مركز في المخّ فيما يُعرف باسم “النّواة فوق التصالبة” وينتشر منها إلى العديد من خلايا الجسم وأنسجته. ويتحكم في هذه الساعة أربع من حاملات الصفات الوراثية (المورثات أو الجينات) التي تتأثر بدورة الظلام والنور والضوضاء والسكون، وبذلك تتحكم في ساعات اليقَظة والمنام.
المصدر: مجلة حراء العدد 3