التدرّج سُنّة من سنن الله سبحانه وتعالى، وقانون من القوانين الكونية التي لا تبديل لها ولا تحويل. هو سنة من سنن الخلق الإلهي للكون والعالم بسماواته وأراضيه ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾(الأعراف:54). فتدرَّج خلقُ الله لها في ستة أيام -من أيامه سبحانه- وهو القادر على أن يقول لها في جزء من اللحظة كن فتكون. والتدرج سنة من سنن الله في خلقه للإنسان الأول آدم عليه السلام. وبعد المراحل الخمسة (التراب فالماء فالطين فالحمأ المسنون فالصلصال) كانت مرحلة النفخ الإلهي في “مادة” هذا الخلق من “روح الله”. فكان أن استوى هذا المخلوق “إنساناً”، هو آدم عليه السلام. ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾(آل عمران:59) ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾(السجدة:7)، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾(الحجر:28-29).
وبسنة التدرج عبر الأطوار والمراحل كان خلق الله وتكوينه لكل مخلوق من ذرية آدم عليه السلام ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(المؤمنون:12-14). فكان التدرج سنة كونية مطردة في خلق الله للعالم وللإنسان الأول ولكل إنسان. كذلك شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون التدرج والتطور سنة مطردة في مسيرة الشرائع السماوية التي جعلها سبحانه “لطفاً” لهداية الإنسان. فمع وحدة الدين عبر حقب وأمم النبوات والرسالات كان تدرج وتطور الشرائع مع واقع هذه الأمم ومع نمو المستوى العقلي لأمم هذه الرسالات.
عصر النبوة وسنة التدرج
وحتى في الشريعة الإسلامية كان التدرج سنة مطردة ومرعية. فهذه الشريعة الخاتمة والخالدة قد بدأت -في المرحلة المكية التي استغرقت ثلاثة عشر عاماً- بإعادة صياغة الإنسان والجماعة المؤمنة والجيل الفريد وفق معالمها ومنظومة قيمها، أي بدأت بالدرجة الأولى في سُلّم التغيير الكبير والجذري والشامل والعميق.. تغيير النفس الإنسانية كي تصبح قادرة على تغيير الواقع وفق المنظومة القيمية الإيمانية ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11). وكذلك كان الحال “التدرج” في المرحلة المدنية التي استغرقت عشر سنوات. فامتلاك الجماعة المؤمنة (الأمة) للحضارة وأركانها، لم يجعل “الطفرة” تحل محل “التدرج”، ولا “الثورة” تحل محل “الإصلاح” في استكمال التشريع واكتمال التطبيق لشريعة الإسلام. فمع تدرج الوحي “المنجّم” واكب التشريع والتطبيق للتشريع تطور التغيير المتدرج للإنسان الذي سيقيم كامل الشريعة، وللواقع الذي لابد من تهيئته لتقبل كامل الشريعة.
فنظام المواريث طبّق في السنة الثالثة للهجرة، أي بعد ستة عشر عاماً من بدء الوحي. والنظام الإسلامي للأسرة من الزواج والطلاق والنفقة وسائر أحكامها اكتمل تشريعه وتطبيقه في السنة السابعة للهجرة، أي عبر عشرين عاماً من بدء الوحي. والقوانين الجنائية تدرج تشريعها وتطبيقها مادة مادة، حتى اكتملت في السنة الثامنة للهجرة، أي عبر واحد وعشرين عاماً من عمر الوحي الخاتم. وتدرجت أحكام الخمر من الذم لها والتحذير منها إلى التحريم القاطع والنهائي لها في السنة الثامنة للهجرة، أي في العام الواحد والعشرين من بدء الوحي. وكان تحريم الربا في السنة التاسعة للهجرة، وذلك بعد أن تخلّق في الواقع الإسلامي للمجتمع الجديد والأمة الوليدة اقتصاد إسلامي بديل حلّ محل الاقتصاد الجاهلي القديم. وعند ذلك أصبح تطبيق الفلسفة الجديدة للنظام اللاربوي ومعاملاته أمراً ممكناً.(1)
بل إن هذا التدرج قد كان سنة مرعية ومطردة أيضاً في الشعائر والعبادات -بما فيها الكثير من أركان الإسلام- وليس فقط في أحكام الواقع والمعاملات. فالصلاة بصورتها التامة والحالية اكتملت فريضتها ليلة الإسراء والمعراج في السنة الثانية قبل الهجرة، الحادية عشرة من البعثة. والصوم فرض بالمدينة وكذلك الزكاة والحج إلى بيت الله الحرام.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق كل شيء بقدَر وقدَّره تقديراً، وجعل السنن والقوانين حاكمة لكل عوالم الخلق والوجود والاجتماع الديني والإنساني ﴿سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾(الفتح:23)، فلقد شاء سبحانه أن تكون سنة التدرج حاكمة في كل ميادين التغيير. فالحديث عن “الطفرات” و”الثورات” و”الانقلابات الفجائية” لا يعدو أن يكون حديثاً عن “هبّات” مفارقة لسنن التدرج، تقف عند حدود الغضب والهياج أو الأماني والأحلام. فحتى الجراحات لا تتم إلا بعد تدرج المرض وتطوره ولا تؤتي ثمارها في الشفاء إلا بعد تدرج في العلاج.
وإذا كنا قد أشرنا إلى سنن التدرج في الإصلاح الديني، فإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً أراه من جوامع الكلم التي عبرت عن فلسفة السنّة الحاكمة لكل ألوان التغيير الذي يصيب الاجتماع الإنساني عبر التاريخ، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. فالتغيير الذي يصيب الاجتماع الإنساني هو “دورات متواليات” وليس خطا مستقيماً، صاعداً نحو الصلاح أو هابطاً نحو الفساد.. هو “دورات” يتعاقب فيها العدل والجور والصلاح والفساد، مع التدرج والتطور في هذا التغيير نحو الصلاح أو الفساد.
وفي هذا الحديث النبوي الشريف الذي جاء نبوءة حاكمة لكل ألوان التغير وعوالمه في الاجتماع الإنساني يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتى يولَد في العدل من لا يعرف غيره” (رواه الإمام أحمد).
فدورات العدل والجور وحقب الصلاح والفساد هي السنة التي تحكم سير الاجتماع الإنساني. والتغيير في هذه الدورات محكوم بسنة التدرج، فبقدر الجور والفساد الذي يظهر وينمو يكون قدر العدل والصلاح الذي يتوارى، وكذلك الحال في الدورات العكسية، حتى لكأننا أمام التدرج في ظاهرتي الشروق والغروب للشمس مثلاً دونما “طفرة” أو “انقلاب فجائي”. بل إن ما يحسبه البعض “طفرة” أو “فجأة” إنما هي لحظة في سلك التدرج وتوالي التطور والتغيير.
التاريخ الإسلامي وسنة التدرج
والذين يفقهون حقيقة التغيرات التي أصابت الاجتماع الإسلامي بعد عصر النبوة، سواء منها التغيرات السلبية أو الإيجابية، والفساد الطارئ منها أو الإصلاح الذي غالَب الفسادَ وتدافع معه سيجدون المصداق والتصديق لهذه السنة -سنة التدرج في التغيير- التي تحدث عنها هذا الحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فالتغيرات التي أصابت نموذج العصر النبوي والعصر الراشدي، والتي جاءت من وافد مواريث البلاد المفتوحة وثقافات الشعوب التي دخلت في إطار الرعية والأمة بأسرع مما غيرت نفوسها قيم الإسلام، والتي جاءت أيضاً من النفوس التي تغيرت عندما ابتعدت عن وهج النور الرسالي للعهد النبوي.. هذه التغيرات التي أصابت قيم ونظم الشورى والعدل الاجتماعي أكثر من سواها وقبل سواها لم تحدث فجأة ولا طفرة، وإنما حكمتها سنة التدرج في الاتجاه نحو الجور والظلم والفساد.
وكذلك الحال مع التغيرات التي جسدتها حقبة الراشد الخامس والمجدد الأول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والتي أحلّت العدل محل الجور، والصلاح محل الفساد، وردت المظالم إلى أصحابها، والتي مثلت ملحمة من ملاحم التجديد والتغيير العادل في الاجتماع الإسلامي. هذه التغيرات العادلة والصالحة لم تتم فجأة ولا طفرة، وإنما تدرجت عندما بدأها الخليفة بنفسه فزوجِه فأمراءِ بني أمية وصولاً إلى كل الذين اغتصبوا ما ليس لهم من مال الأمة وبيت مال المسلمين.
ولقد عبر عمر بن عبد العزيز عن تلك التغييرات التي تدرجت بالاجتماع الإسلامي نحو الجور والمظالم والتي ورثها الخليفة عن الذين سبقوه من خلفاء بن أمية، عبّر عنها الخليفة العادل عندما وصف الواقع الاجتماعي في ميدان الثروات والأموال، والتغييرات المتدرجة التي نقلته من العدل إلى الجور، فقال: “إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة -لم يبعثه عذاباً- إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه، وترك للناس نهراً شربهم فيه سواء. ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله. ثم ولي عمر فعمل على عمل صاحبه. فلما ولي عثمان اشتق من النهر نهراً. ثم ولي معاوية فشق منه الأنهار. ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ وقد يبس النهر الأعظم. ولن يروى أصحاب النهر حتى يعود إليهم النهر الأعظم كما كان عليه”(2).
وكما تمت التغييرات السلبية من العدل إلى الجور بالتدرج، بدأ عمر بن عبد العزيز ملحمة التغيير من الجور والظلم إلى العدل والصلاح بالتدرج أيضاً، فبدأ بنفسه عندما جعلها القدوة الصالحة والعادلة، وعندما رد جميع المظالم التي ورثها عن أسلافه إلى بيت مال المسلمين وقال وهو يرد “إقطاع فَدَك”: “إن أهلي أقطعوني ما لم يكن لي أن آخذه ولا لهم أن يعطونيه”(3).
لقد جعل عمر بن عبد العزيز من عامَي خلافته سلسلة متدرجة ومتصلة من “رد المظالم” انتقلت بالاجتماع الإسلامي من الجور إلى العدل ومن الفساد إلى الصلاح حتى لقد قالوا: “إنه ما زال يرد المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات”(4). كما عبر عن وعيه بضرورة التدرج في هذا التغيير الإصلاحي رغم شوقه للعدل وحماسه الشديد للإصلاح واستعداده لأن يبذل روحه في سبيل هذا الإصلاح. فمع قوله: “لو كان كل بدعة يميتها الله على يديّ وكل سُنّة ينعشها الله على يديّ ببضعة من لحمي حتى يأتي آخر ذلك على نفسي كان في الله يسيراً”(5). إلا أن حماسه للإصلاح واستعداده للفداء والاستشهاد في سبيله لم يدفعه إلى محاولة إتمامه فجأة وطفرة، وإنما سلك إليه سبيل التدرج ودافع عن هذا المنهاج في التغيير في حواره مع ابنه عبد الملك الذي كان يتعجل التغيير والإصلاح فقال لأبيه: “يا أبت، ما لك لا تنفذ في الأمور؟! فوالله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور!”، فرد عليه عمر بن عبد العزيز، بحكمة رجل الدولة وخبير الإصلاح والفقيه في سنة التغيير التدريجي قائلاً: “لا تعجل يا بني! فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدَعوه وتكونَ فتنة”(6).
فلقد كان هذا الراشد العادل واعياً بسنة الله في التدرج بالإصلاح والتغيير العادل وعارفاً بضرورات التعايش مؤقتاً مع مقادير من الجور والظلم والفساد حتى يحين الحين فيحل بالتغيير التدريجي محلها بدائل العدل والإصلاح، بل لقد تحدث صراحة عن هذه الحقيقة من حقائق سنة التغيير، فقال: “إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف ألا تحتمله قلوبهم، فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن نفرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا”(7). فهو هنا يتجاوز هذا المستوى إلى الحديث عن مستوى آخر، وهو “تغليف” العدل بشيء من “طمع الدنيا” كي تتقبله النفوس التي “تغلفت” بقيم الاجتماع الفاسد والجائر الذي طرأ على حياة الناس.
وتلك -لعمري- عبقرية في فقه التدرج بالتغيير جسدتها تجربة الراشد الخامس والمجدد الأول عمر بن عبد العزيز، وعبّرت عنها كلماته الراشدة الحكيمة في فلسفة هذا المنهاج، وجسدتها تجربته العملية التي لا زالت مضيئة في تاريخ الإصلاح الإسلامي، تستحث خطا المصلحين على هذا الطريق.
مرتكزات أساسية في الدعوة
تلك هي سنة التدرج كما تجلت في السنن الإلهية الكونية في خلق العالم وخلق الإنسان، والسنن الإلهية التاريخية في الوحي بالشرائع السماوية الهادية للإنسان، والتطبيقات النبوية لسنة التدرج هذه في الاجتماع الإسلامي بالدولة الإسلامية الأولى، والإصلاح الإسلامي الراشد كما تمثل في تجربة الراشد الخامس والمجدد الأول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
إن إعمال هذه السنة الإلهية الكونية في ميدان الإصلاح والتغيير للواقع الإسلامي الراهن الذي أفسد التغريب الكثير من نواحي فكره وثقافته وإعلامه ومنظومة قيمه لا بد وأن يعني سلوك طريق التدرج في هذا التغيير المنشود. فبقدر ما تتكون الكتيبة التي تبدع البدائل الإسلامية المحكومة بالقيم الإسلامية في الثقافة والإعلام، وبقدر ما تطل هذه البدائل الإسلامية على الواقع المعيش، بقدر ما تكون بدايات التغيير للواقع الاجتماعي للثقافة والإعلام وتوجه هذا الواقع نحو الانضباط بمنظومة القيم الإسلامية. وبقدر التغيرات الجزئية والتدريجية التي يحدثها الإبداع الثقافي والإعلامي الإسلامي في الواقع الاجتماعي بقدر ما تتزايد المساحات المحكومة بالقيم الإسلامية في الإبداع الفكري والثقافي والمادة الإعلامية.
وعلينا أن ندرك في صراحة ووضوح أن سنة التدرج هذه إنما تعني مصاحبة الصلاح الإسلامي الجديد حينا من الدهر لكثير أو قليل من الفساد التغريـبي الوافد والموروث. وأن نتذكر جيداً ودائماً منهاج الراشد الخامس والمجدد الأول عمر بن عبد العزيز في التدرج الإصلاحي والإصلاح المتدرج الذي لم يقف فقط عند التعايش مؤقتاً مع مقادير من الجور الموروث، وإنما سلك سبيل “تغليف” العدل ببعض طمع الشهوات في زينة الحياة الدنيا وصولاً إلى إحلال العدل الخالص محل الجور والطمع والشهوات.
تلك هي سنة التدرج، وهذا هو قانونها الحاكم في كل عوالم الخلق والإصلاح والتغيير، وذلك هو منهاجها في الخروج بأمتنا من واقعها الفكري والثقافي والإعلامي الراهن إلى حيث الإصلاح الإسلامي المنشود، مع ضرورة:
• صدق النية في الإصلاح الكامل قدر الطاقات والإمكانات وليس مجرد “الترقيع” والاكتفاء بسياسة مجاورة الصلاح للفساد والتعايش بينهما بدعوى وضع النماذج المختلفة أمام الأذواق المختلفة. فإصلاح الأذواق هو هدف من الأهداف الرئيسية للإصلاح. وعلينا أن نميز بين صدق النوايا في التدرج الإصلاحي وبين النوايا الكاذبة التي تتحدث عن “التدرج” بينما يضع أصحابها النموذج الإسلامي في “الأدراج”. فبالنية الصالحة وبالعزم الصادق وبالتخطيط الراشد والتنفيذ الواعي وفق سنة التدرج تتحقق آمال المصلحين في الإصلاح.
• وعدم الاكتفاء بالنوايا الصادقة في الإصلاح الكامل، وإنما العمل المتواصل على تقديم النماذج الثقافية والإعلامية الصالحة (تقديم المثال الإسلامي)، وتنمية مساحة هذا “المثال” باستمرار ليتوارى مع نموه النموذجُ الفاسد والسلبي في الثقافة والإعلام.
• وتقدير الضرورات بقدرها. وذلك حتى لا تنفلت معايير الضرورات في التعايش مع نماذج من الثقافة السلبية. والحرص على أن تكون هناك موازنات بين السيئ والأسوأ والأقل سوءاً في المادة التي يتم التعايش معها مؤقتاً.
• وكما يجب إعمال قاعدة “سد الذرائع” إلى الأسوأ فإن بالإمكان إعمال قاعدة “فتح الذرائع” إلى الأقل سوءاً إذا أفضى التعايش المؤقت معه إلى الصلاح الأكثر والأعم.
• مع الحرص على أن تكون هناك منابر ثقافية وإعلامية خالصة الإسلامية تمثل مراكز للتوجيه والتعريف بالنموذج الإسلامي ودائمة الإشعاع على سائر الساحة الثقافية والفضاء الإعلامي. فضرب الأمثال وانعطاف قطاعات واسعة من الجماهير نحو هذه النماذج هو من أفعل الوسائل في تنمية الإصلاح بميادين الثقافة والإعلام.
_________________
الهوامش
(1) القانون الإسلامي، لأبي الأعلى المودودي، ترجمة: محمد عاصم الحداد، بيروت، 1975م، ص 51، 52
(2) كتاب الأغاني، للأصفهاني، تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الشعب، القاهرة، 9/3375، 3376.
(3) فتوح البلدان، للبلاذري القاهرة 1319هـ، ص 29؛ الكامل في التاريخ، لابن الأثير، القاهرة 1303هـ. ص24.
(4) كتاب الطبقات، لابن سعد، دار التحرير، القاهرة، 5/251.
(5) مر بن عبد العزيز: ضمير الأمة وخامس الراشدين، د. محمد عمار ةدار الوحدة، بيروت 1985م، ص 226.
(6) العقد الفريد، لابن عبد ربه، القاهرة 1928م، 4/40.
(7) المصدر السابق، 2/232.