أمران لطيفان معجزان من رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا الزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة” (رواه الترمذي). كيف يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تناول زيت الزيتون وهو دهن خالص؟ والدهون في عصرنا الحديث ليست من الأغذية التي ينصح بها الأطباء!
فحتى عام 1985 لم يأبه أحد من الباحثين الأمريكيين والأوربيين بزيت الزيتون، بل إن كافة المراجع الطبية حتى ذلك الحين، كانت تحذّر المصابين بارتفاع الكولسترول أو بمرض شرايين القلب من تناول زيت الزيتون، حيث كان من المعتقد أنه يزيد من الكولسترول ويرفع دهون الدم.
وما أن طلع علينا الدكتور “غرندي” في دراسته الشهيرة التي ظهرت عام 1985 والتي أثبت فيها أن زيت الزيتون يخفض كولسترول الدم، حتى توالت الدراسات والأبحاث تركز اهتمامها حول فوائد زيت الزيتون، وتستكشف يومًا بعد يوم المزيد من أسرار هذا الزيت المبارك الذي أتى من شجرة مباركة.
وكيف لا تكون الشجرة مباركة وقد أقسم الله تعالى بها أو بأرضها -على اختلاف بين المفسرين- في قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(التين:1-4).
وكيف لا تكون مباركة وقد شبّه الله تعالى نوره بالنور الصادر عن زيتها حين قال في القرآن الكريم: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(النور:35).
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: “ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة” (رواه ابن ماجة). فالشجرة مباركة.. والزيت مبارك.. ولكن كثيرًا من الناس عنه غافلون.
فزيت الزيتون هبة السماء للإنسان، عرف القدماء بعضًا من فوائده، وأدرك الطب الحديث -منذ سنوات معدودات- بعضًا آخر. والطريف أن يأتي عنوان مقال نشر في مجلة “Dermatol Clin” -وهي من أشهر المجلات العالمية في أمراض الجلد- في شهر أبريل 2009: “Virgin Olive Oil As A Fundamental Nutritional Component And Skin Protector” ومعناه بالعربية: “زيت الزيتون البكر كعنصر غذائي أساسي وكواقٍٍ للجلد”. أليس هذا ما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من 1400 عام؟
“كلوا الزيت”
عرفنا حديثًا أن زيت الزيتون يقي من مرض العصر؛ جلطة القلب، ويؤخر من تصلب الشرايين. وتلاشت الأسطورة التي كانت تقول إن زيت الزيتون يزيد كولسترول الدم، ذلك الشبح الذي يقضّ مضاجع الكثيرين. وتبين للعلم الحديث أن زيت الزيتون عدو للكولسترول يحاربه أنّى كان في جسم الإنسان.
فقد نشرت مجلة “Nutrition Metabolism and Cardiovascular Disease” في شهر مايو 2010 ملخصًا لتقرير المؤتمر العالمي الثاني الذي عقد حول زيت الزيتون في مدينة قرطبة، وحضره خمسون من أكبر علماء العالم في أمراض القلب والسرطان وغيره.
وخلص هؤلاء الباحثون في تقريرهم إلى أن تناول زيت الزيتون كجزء من النظام الغذائي، يقلل من احتمال حدوث أمراض شرايين القلب، والبدانة، والمتلازمة الاستقلابية، ومرض السكري الكهلي، وارتفاع ضغط الدم.
وقد استعرضت مقالة مطولة نشرت في مجلة “International Journal of Molecular Sciences” في شهر فبراير 2010 الأبحاث العلمية في السنوات الأخيرة، والتي ركّزت على دور المركبات الفينولية الموجودة في زيت الزيتون البكر، حيث تلعب دورًا فيزيولوجيًّا كبيرًا في دهون الدم، والوقاية من التخرب التأكسدي، ومؤشرات الالتهاب، ووظائف صفيحات الدم، إضافة إلى تأثيراتها كمضاد للجراثيم ومحافظ على صحة العظام.
كما أن هذا الغذاء الغني بزيت الزيتون، يحسّن من العوامل المهيئة لأمراض شرايين القلب مثل ارتفاع دهون الدم وضغط الدم، ويقلل من اضطراب وظيفة بطانة الشريان، والتخرب التأكسدي وتخثر الدم.
زيت الزيتون والوقاية من أمراض القلب
والحقيقة أن الأمريكان يغبطون سكان حوض البحر الأبيض المتوسط على غذائهم، فهم يعرفون أن مرض شرايين القلب التاجية أقل حدوثًا في إيطاليا وإسبانيا وما جاورهما مما هو عليه في شمال أوروبا والولايات المتحدة. ويعزو الباحثون انخفاض معدل حدوث أمراض القلب، وبعض أنواع السرطانات في دول حوض البحر المتوسط جزئيًّا إلى تناول زيت الزيتون المنتظم كجزء من غذاء سكان حوض البحر المتوسط، حيث يتناول هؤلاء ما بين 25-50 جرامًا من زيت الزيتون يوميًّا.
نشرت مجلة “Journal Cardiovasc Pharmacol” الصادرة في شهر ديسمبر 2009 مقالاً استعرضت فيه فوائد زيت الزيتون على القلب، وكيف أن استهلاك زيت الزيتون المنتظم عند سكان حوض البحر المتوسط، قد أدى إلى انخفاض معدلات الوفيات من أمراض شرايين القلب في الدول الأوروبية الجنوبية المطلة على حوض البحر المتوسط، رغم ارتفاع معدلات عوامل الخطورة المهيئة لمرض شرايين القلب عندهم.
وأكدت دراسة نشرت في مجلة “Maturitas” في شهر يناير 2011 أن هناك علاقة عكسية بين تناول زيت الزيتون وحدوث جلطة القلب.
وأظهرت دراسة “Epicor Study” التي شملت 29,689 امرأة، أن النساء اللواتي يتناولن زيت الزيتون والخضروات الورقية، ينخفض عندهن حدوث مرض شرايين القلب بنسبة 44%.
ولا يخفض زيت الزيتون الكولسترول الضار فحسب، بل إنه -حسب الدراسات الحديثة- يرفع الكولسترول المفيد.
زيت الزيتون ومرض الزهايمر
وليس هذا فحسب، بل إن الدراسات تشير إلى أن زيت الزيتون يمكن أن يحمي من تدهور الذاكرة ومرض الزهايمر. فقد أظهرت دراسة نشرت في مجلة “Nutrition Metabolism and Cardiovascular Disease” عام 2010، أن خلاصة زيت الزيتون الغني بمركب هيدروكسي تيروزول يمكن أن تقي الخلايا العصبية بالمخ، من التدهور الطبيعي المصاحب للتقدم في العمر وخرف الزهايمر.
زيت الزيتون والسرطان
أكد مقال نشر في مجلة “Nutr Cancer” عام 2009، أن هناك علاقة وثيقة بين تناول زيت الزيتون وانخفاض معدل حدوث سرطان الثدي والمعدة، كما أشارت دراسة نشرت في مجلة “Nutrition Metabolism and Cardiovascular Diseases” عام 2010 إلى أن التأثير الواقي لزيت الزيتون من السرطان، يكون أشد إذا ما بدأ تناول الزيت قبل سن البلوغ واستمر على ذلك مدى الحياة.
زيت الزيتون في سن اليأس
أشارت دراسة حديثة إلى أن تناول زيت الزيتون يوميًّا، ينقص تخرب الـ”DNA” عند النساء في سن اليأس، حيث طلب من النساء تناول 50 جرام من زيت الزيتون يوميًّا ولمدة ثماني أسابيع من أجل الوصول إلى هذه النتيجة العلمية المفيدة.
هشاشة العظام وزيت الزيتون
وفي دراسة نشرت في مجلة “.Osteoporos Int” في شهر فبراير 2011، تبين أن مركبات الفينول في زيت الزيتون تقي من هشاشة العظام. كما يعتقد الباحثون أن له دورًا واعدًا في معالجة هشاشة العظام في سن اليأس.
“وادّهنوا به”
يوصي رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم في الشطر الثاني من الحديث النبوي: “كلوا الزيت وادّهنوا به” بالإدهان بزيت الزيتون. وتأتي الدراسات العلمية الحديثة لتثبت فوائد زيت الزيتون على الجلد. فقد نشرت مجلة “Clin Dermatol” في شهر أبريل 2009 مقالاً مطولاً استعرضت فيه فوائد زيت الزيتون على الجلد.
زيت الزيتون ملطف للجلد عند الوليدين
كما ذكرت دراسة نشرت في مجلة “Pediatr Dermatol” الصادرة في شهر أبريل 2008 فوائد استخدام زيت الزيتون كمرطب وملطف للجلد عند الوليدين الخدّج ، فقد تفوق استخدام زيت الزيتون كمرطب وملطف للجلد عند الخدّج على غيره من الزيوت.
زيت الزيتون وقاية من سرطان الجلد القتامي
أكدت دراسة نشرت في مجلة “International Journal of Cancer” في شهر أبريل 2011 أن الإدهان بزيت الزيتون موضعيًّا بعد السباحة والتعرض للشمس، يمكن أن يقي من حدوث سرطان الجلد القتامي (Melanoma).
استخدام زيت الزيتون في طهي الطعام
يتساءل الكثيرون عن أفضل زيت يستخدم في طهي الطعام، وتأتي الدراسات العلمية لتؤكد أن هذا الزيت المبارك الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل الزيوت على الإطلاق. فقد أظهرت دراسة حديثة نشرت في مجلة “Journal of Medicinal Food” في شهر مارس 2011، أن الطعام المطهي بزيت الزيتون يحسّن استجابة الإنسولين بعد تناول الطعام عند النساء البدينات. وأكدت دراسة أخرى نشرت في مجلة “European Journal of Clinical Nutrition” عام 2009، أن خطر حدوث البدانة كان أعلى بأكثر من الضعف عند من استعمل زيت دوار الشمس في طهي الطعام بالمقارنة مع من استعمل زيت الزيتون! ويعزو الباحثون سبب ذلك إلى أن درجة احتراق زيت الزيتون هي أعلى مما هي عليه في غيره من الزيوت.
هل في أوراق شجرة الزيتون من فوائد؟
لقد وصف الله تعالى شجرة الزيتون كلها -وليس زيتها فقط- بأنها مباركة.
ويأتي العلم الحديث ليكتشف شيئًا من تلك الفوائد.. فقد نشرت مجلة “International Journal of Cancer” في عام 2010 بحثًا أشار إلى الخواص المضادة لسرطان الجلد القتامي في خلاصة أوراق شجرة الزيتون. كما أشار مقال نشر في مجلة “Food Chem Toxicol” في عام 2011 إلى الدور المحتمل لأوراق الزيتون في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان وتصلب الشرايين ومعالجتها. ولا شك أن ذلك الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسات.
وبعد، فهذا غيض من فيض مما نشر من أبحاث حول زيت الزيتون خلال الأعوام القليلة الماضية. فطوبى لمن نال من خيرات هذه الشجرة المباركة، وطوبى لمن صدّق ما جاء في قرآننا الكريم وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.