الطفل وبناؤه النفسي سر النجاح

التربية النفسية للطفل هي عملية مستمرة تهدف إلى تنمية شخصية الطفل بشكل متوازن من الناحية النفسية والعاطفية والاجتماعية، وتشمل تعليم الطفل كيفية التعامل مع مشاعره، وتنمية ثقته بنفسه، وتعزيز مهاراته الاجتماعية، وتوجيهه نحو التفكير الإيجابي والسلوك السليم، وتساعده على مواجهة التحديات النفسية في الحياة بطريقة صحية، مع رد كل رغباته وحاجاته النفسية والعاطفية والوجدانية إلى شرع الله عز وجل.

أسس التربية النفسية للطفل

ومن أسس التربية النفسية للطفل “الاستقرار الأسري”، فالبيئة الأسرية المستقرة توفر الحب والاهتمام والدعم للطفل، والاحترام والتقدير، حيث يتم التعامل مع الطفل باحترام وتقدير لمشاعره وأفكاره، مما يعزز ثقته بنفسه ويساهم في تنمية شخصيته، وتقديم الإرشادات والتوجيهات المناسبة لعمر الطفل بما يتناسب مع مراحل نموه، مع توفير بدائل مناسبة لسلوكياته الخطأ بدلاً من العقاب، وإتاحة الفرصة للطفل في التعبير عن مشاعره وآرائه بشكل حر، مما يساهم في بناء علاقة قوية بينه وبين والديه.. وكذلك التعليم بالمثال، حيث يتعلم الأطفال بشكل كبير من خلال تقليد سلوكيات الكبار.. لذا يجب على الأهل أن يكونوا نموذجًا إيجابيًّا يحتذى به.

ومن أهداف التربية النفسية للطفل، تعزيز ثقة الطفل بقدراته وبنفسه، ليتمكن من مواجهة تحديات الحياة بثقة وإيجابية، وتوجيهه لطرق التعامل الصحيح مع مشاعره والتفاعل مع الآخرين بطرق صحية، وتعليمه كيفية التكيف مع الظروف المختلفة والمواقف الصعبة دون أن يشعر بالضغوط النفسية، وتشجيعه للاعتماد على نفسه في اتخاذ القرارات المناسبة لعمره، وتنمية الوعي العاطفي للطفل ومساعدته على فهم وإدارة مشاعره بطرق صحية وبناءة، والقدرة على ضبط النفس والتحكم في الانفعالات وتجنب مثيراتها، والاتصاف بالاتزان الانفعالي وواقعية النظرة للنفس، وعدم الإسراف في تقدير الذات.

البناء النفسي والعاطفي للطفل

من الأمراض النفسية التي يمكن أن يصاب بها الطفل نتيجة ضعف التربية النفسية، الاكتئاب والقلق نتيجة للضغوط النفسية أو الاجتماعية على الطفل. ويمكن أن يظهر ذلك في شكل مخاوف مفرطة أو توتر دائم، مع اضطرابات السلوك مثل العناد المفرط أو العدوانية، واضطرابات التعلم مثل عسر القراءة أو صعوبة الانتباه، والاضطرابات النمائية مثل التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

وحتى لا يصاب الطفل بالأمراض النفسية، لا بد من توفير مساحة كافية للطفل، يعبر من خلالها عن مشاعره ومخاوفه، مع أهمية تعزيز مهاراته في التعامل مع الضغوط والمشاكل، وتوفير بيئة منظمة ومستقرة، وضرورة تقديم الدعم المستمر للطفل، والثناء على إنجازاته، وتقليل التوتر الأسري، وحل النزاعات بطرق هادئة.

ويعتبر البناء النفسي والعاطفي، من أكثر الأمور أهمية وحساسية في حياة الطفل؛ ذلك لأن العاطفة تحتل مساحة كبيرة في نفس الطفل، فإن أخذها بشكل متوازن كان إنسانًا سويًّا بكل معاني السويَّة، وإن أخذها بغير ذلك بالزيادة أو النقص تشكلت لديه عقد لا تحمد عقباها. ومن أهم الحاجات النفسية للطفل، حاجته للمحبة والعطف والاهتمام.

ولا بد من شحن عواطف الطفل وتسكين ثورته وغضبه، من خلال تقبيله وضمه إلى صدر والديه. فالبعض يبخلون حتى بمشاعرهم على أولادهم؛ اعتقادًا منهم أن ذلك هو الصواب لتعليمهم الجدية والصلابة، لكنهم لا يعلمون أنهم يقتلون فيهم كل معاني الحب والعطف والرحمة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم  الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد، ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم قال: “من لا يَرْحم لا يُرْحم”. (رواه البخاري)

ومن طرق إشباع الحاجات النفسية للأطفال إدخال السرور على قلوبهم، وممازحتهم، وإحساسهم بالمحبة والفرح؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدخل على أم سليم، ولها ابن من أبي طلحة يُكنّى أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فقال: “ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟” فقالوا: مات نغرُهُ الذي كان يلعب به. قال: فجعل يقول: “أبا عمير ما فعل النُّغَيْرُ؟”. (رواه الإمام أحمد)

ويؤكد الغزالي -رحمه الله- في “إحياء علوم الدين”، على أهمية التربية بقوله: “اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلّم له ومؤدّب، وإن عُوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والولي له”.

تطوير التربية النفسية عند الأطفال

لتطوير التربية النفسية، يجب نشر الوعي بين الأهل والمعلمين حول أهمية التربية النفسية ودورها في نمو الطفل، وتقديم برامج دعم نفسي للأطفال في المدارس لتعزيز صحتهم النفسية، وتوفير أنشطة اجتماعية ورياضية تسهم في تطوير مهارات الطفل النفسية والاجتماعية، مع الاهتمام بالكشف المبكر عن أي مشاكل نفسية والتدخل لمعالجتها، والعمل على ترسيخ القيم الإيجابية، مثل التسامح والاحترام من خلال التربية الصحيحة.

فالتربية النفسية للطفل هي عملية حيوية تساهم في بناء شخصيته المتكاملة وتوجيهه نحو حياة نفسية صحية. ومن خلال الاهتمام بجوانب التربية النفسية المختلفة وتقديم الدعم اللازم، يمكننا أن نساعد أطفالنا على مواجهة تحديات الحياة بطرق إيجابية وبناءة. لذلك فإن الاستثمار في مجال التربية النفسية، هو استثمار في مستقبل المجتمع ككل، حيث ينشأ لدينا جيل قادر على التكيف والنجاح في مختلف مجالات الحياة.

(*) دكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله / سوريا.