يُعد تقبيل الأبناء وضمّهم من أهم وسائل التعبير عن المشاعر بين الأهل والأبناء، وهو سلوك اجتماعي وإنساني يعزّز من قوة الروابط الأسرية. هذا، وإن التعامل الهادئ مع الطفل مهم للغاية، فمن خلاله نستطيع الوصول إلى نتائج طيبة؛ فالطفل عندما نتحدث معه بهدوء ونشعره بالطمأنينة ونضمه ونقبله، فإننا نزرع فيه الثقة بالنفس، ويعبر لنا عمّا يجول في خاطره، ويسألنا عن الأمور التي لم يدركها.
ومن ضمن السلوكيات التي تغذي الجانب العاطفي والنفسي لدى الطفل هي التربية بالتقبيل والضم، وهو أسلوب غائب عن الكثير من الآباء في هذه الأيام رغم أهميته وضرورة القيام به. ومن فوائد تقبيل الأبناء وضمهم: تعزيز الشعور بالأمان حيث يشعر الطفل بأنه محبوب وآمن عندما يحصل على قبلة من والديه، وبناء الثقة بالنفس لدى الطفل حيث تشعره القبلات بالقيمة وتزيد من ثقته بنفسه، كما تعزز العلاقة بين الأهل والأبناء وتجعلها أكثر متانة. وكذلك فإن التعبير الجسدي عن الحب من خلال التقبيل والضم يساعد في بناء الروابط العاطفية السليمة بين الأهل والأبناء، ويقلل من المشاعر السلبية مثل الخوف والقلق، ويحسن الحالة النفسية عمومًا.
وقد أكدت الدراسات العلمية أن تقبيل الأبناء يفرز عندهم هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين، حتى إن بعضهم أطلق عليه اسم “هرمون العناق”، وهو يساعد في توثيق الارتباط بيننا وبين من نحب، ويزيد من مشاعر الأمان والثقة والسعادة.
والإسلام يدعو إلى الرحمة والحنان والابتعاد عن أسلوب القهر والعنف والإكراه في التعامل مع الأبناء، ويؤكد على ضرورة اللجوء إلى أسلوب العطف والكلمة الطيبة. فالرفق بالأبناء أفضل وسيلة للتعامل معهم وتربيتهم تربية قويمة أساسها التمسك بتعاليم الإسلام والأخلاق الفاضلة. وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه» (1). وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منّا من لم يَرحم صغيرنا، ويعرف حقّ كبيرنا» (2).
والمحبة القلبية وحدها لا تكفي في التعامل مع الأولاد، ولا بد من تطبيقها وجعلها حقيقة حية ملموسة من خلال الاهتمام والاعتناء بهم، والسلوك اللطيف معهم، ومداعبتهم وتقبيلهم وضمهم، والمسح على رؤوسهم. ولنا في النبي عليه الصلاة والسلام خير قدوة، فبالرغم من انشغاله بالدعوة والجهاد وتربية الأمة، لم يهمل هذا السلوك، فكان صلى الله عليه وسلم يمارس التربية بالتقبيل مع أبنائه ومع الأطفال من الصحابة، حيث إن التقبيل من علامات الرحمة التي يجب أن يشعر بها الطفل، ويرسخها الآباء في علاقتهم معه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «من لا يَرحم لا يُرحم» (3).
وعن أبي عثمان النهدي يحدثه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيُقعدني على فخذه، ويُقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما» (4).
ولعل من واجب الآباء أن يمارسوا هذا السلوك التربوي بتقبيل أولادهم وضمهم ولو مرة واحدة في اليوم. فالأهم أن يشعر الطفل بقرب والديه واهتمامهما به، وليس بالضرورة التركيز على عدد القبلات أو مكانها. والحقيقة أن تقبيل الأبناء وضمهم من السلوكيات البسيطة، لكنها تحمل تأثيرات إيجابية كبيرة على صحتهم النفسية والعاطفية. كما أن الإسلام والعلم على حد سواء يؤكدان على أهمية هذه التصرفات التي تعزز الروابط الأسرية وتساهم في تنشئة جيل سليم نفسيًّا وعاطفيًّا. ومن خلال توفير الحب والرعاية يمكن للأهل أن يضمنوا تربية سليمة لأبنائهم تعود عليهم وعلى المجتمع بالفائدة.
الهوامش:
1- صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1374هـ/1955م، كتاب الوصية (45)، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (23)، رقم الحديث: (2594)، الجزء: 4، الصفحة: 379.
2- مسند أحمد، تحقيق: أحمد شاكر، القاهرة، دار الحديث، ط1، 1416هـ/1995م، رقم الحديث: (6733)، الجزء: 6، الصفحة: 281. وإسناده صحيح.
3- صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى البغا، بيروت، دار اليمامة، ط5، 1414هـ/1993م، كتاب الأدب (81)، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (18)، رقم الحديث: (5651)، الجزء: 5، الصفحة: 2235.
4- صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى البغا، بيروت، دار اليمامة، ط5، 1414هـ/1993م، كتاب الأدب (81)، باب وضع الصبي على الفخذ (2)، رقم الحديث: (6003)، الصفحة: 1233.