عبرة من صخرة

تأمل أحمد صخرة مقابلة لمنزله لأول مرة، أوحت له بالصلابة والثبات، وبالصبر والتجلّد، فكم من عاصفة هبّت عليها، وكم من إعصار مرّ فوقها، إنها بالفعل نموذج يُحتذى في الصبر والمواجهة… فلماذا هرب الرجال أمس من عدو متأهب لغزو قريتنا الجميلة؟ فكر في الأمر وأراد أن يعتبر الجميع بحال الصخرة وصفاتها، فقرّر جمعهم، ولن يكون له ذلك إلا بحيلة وتدبير…

استشار أصدقاءه الأوفياء حول هدفه الذي يستميت لتحقيقه…

قال أحدهم: فكرتك رائعة، وهل سيفهمها غيرك كما فهمتها؟ فليس كل الناس باستطاعتهم استيعاب العِظات مما يرون، وتأملهم العميق نادر أو منعدم، يهتمون بملء بطونهم، يضحكون، ويتلهّون بلا مبالاة، لذا أستبعد استجابتهم لما تريد وتراه نبيلاً.

قال آخر: فكرتك لن يروها كما تراها أنت، فلكل وجهة نظره الخاصة، سيقول بعضهم إن الصخر لا يشعر ولا يتأثر بما يجري عليه وحوله، الصخر جماد، وتُشبَّه به القلوب التي لا إحساس فيها.

رد عليه آخر: عليك أن تجهز نفسك للرد على كل أسئلة من سيحضر لقاءنا، فمن شأن عدم جوابك لكل أسئلتهم أجوبة دامغة، مُفحمة، أن يضعك موضع الاحتقار والضعف والمهانة.

شكرهم أحمد، وطمأنهم على الأخذ بآرائهم، وبات ليله يفكر ويفكر، فحدد زمن ومكان ولوازم الوليمة التي ستكون مجالاً للّقاء.

استعد لإكرام الجميع، ذبح عجلاً سمينًا، واشترى من الحلوى أحلى الأصناف وألذّها، واستعار من أثرياء القرية أفرشة، وأرائك… أنار المكان وعطّره.

وفي مساء ذلك اليوم، استقبلهم واحدًا واحدًا استقبالاً حارًّا، وهم لا يعرفون علّة استدعائهم للوليمة.

جلس الجميع، أكلوا وشربوا، ثم حدد موضوع اللقاء والهدف منه، وقرأ عليهم قصة الصخرة الصامدة في وجه الزمان بكل نوائبه وخطوبه، مشيرًا إلى أعداء يعرفونهم، يريدون احتلال قريتهم وهم يدّعون القوة والذكاء، وصوّر لهم أحوالهم وهم يخدمونهم ويرضخون لأوامرهم، وصوّر لهم شظف العيش وقلة الزاد وهم عبيد، وصوّر لهم مصير أبنائهم وزوجاتهم ومنازلهم التي ستتحول إلى سجون…

كان يتحدث وهم يتخيلون مجريات ما بعد الاحتلال، فدبّ الخوف في صدورهم، واستيقظت في أعماقهم شجاعة الدفاع والنضال والتصدي لكل من تسوّل له نفسه غزو موطنهم الجميل…

بعد اللقاء، صار أهل القرية متآزرين، متّحدين، شبابًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، وظلوا جدارًا سميكًا منيعًا أمام كل عدو يروم اختراق وحدتهم وأخوّتهم… وكان الكل يشكر ويحترم الصخرة المُوحية بالاتحاد والصمود والتصدي.