يُعد فن العمارة هو الأكثر خلودًا وشهرة بين فنون العصر الإسلامي، وقد بدأ النشاط العمراني الإسلامي في مصر في وقت عمرو بن العاص، وبدأت مصر تصطبغ بالصبغة العربية الإسلامية، فخُطِّطت مدينة الفسطاط، فكان جامع عمرو بن العاص الذي أسسه عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد دخوله مصر مباشرة، وكان هو أول جامع أُنشئ بديار مصر، ويعرف بـ”تاج الجوامع” و”الجامع العتيق” و”مسجد أهل الراية”، وكان وقتئذ مشرفًا على النيل، وقد وقف على تحديد قبلته جمع من الصحابة رضي الله عنهم، وكانت مساحته وقت إنشائه 50×30 ذراعًا، وتسوده البساطة، فليس له محراب مجوف ولا منارة ولا فرش، وجدرانه عارية من البياض والزخرف، وله بابان في الجهة البحرية، وبابان يقابلان دار عمرو، وقد ظل الجامع على مساحته حتى سنة 53هـ – 672م، حيث زاد في مساحته “مسلمة بن مخلد الأنصاري” أمير مصر من قبل “معاوية بن أبي سفيان”، وزخرف جدرانه وسقوفه، وأنشأ به أربع صوامع للمؤذنين في أركانه نُقش اسمه عليها.
وقد هُدم جامع عمرو بن العاص ثلاث مرات؛ الأولى في عهد والي مصر عبد العزيز بن مروان سنة (79هـ – 698م)، حيث قام بتوسيعه بعد هدمه، والثانية في عهد والي مصر “قرة بن شريك العبسي” بأمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك، والذي أضاف له كثيرًا بعد هدمه حتى بلغت مساحته (112.50 × 120.50 مترًا)، وهي مساحته الحالية. أما المرة الثالثة فكانت سنة 564هـ – 1168م، حيث أُحرقت الفسطاط بكاملها خوفًا من احتلال الصليبيين لها، واستمرت النيران مشتعلة بها 54 يومًا، فتخربت منابرها وتصدعت جدران جامع عمرو.
ولم يقتصر جامع عمرو على أداء الفرائض الدينية فحسب، بل كانت فيه محكمة لفض المنازعات الدينية والمدنية، وكانت تُعقد جلساتها في زيادة الجامع الغربية، كما كانت تُعقد حلقات للدروس والوعظ، وفي أواخر النصف الثاني من القرن الرابع الهجري بلغت حلقات الدروس بالجامع (120 حلقة) تلقاها 2400 طالب. ويمكن القول بأن جامع عمرو بن العاص كان فيه جامعة علمية تسبق ما كان في جامعة الأزهر بنحو ستمائة عام.
أثر إسلامي
بعد جامع عمرو بن العاص، انتشرت العمارة الإسلامية في مصر، وقد اشترك العاملان الديني والمناخي في الإيحاء بابتكار أسلوب فني تمتاز به العمارة الإسلامية، ويصل عدد آثار القاهرة المعمارية إلى نحو خمسمائة وعشرة (510) آثار، تتراوح أنواعها بين أسوار ومنشآت حربية، وعمائر دينية من مساجد ومدارس وخانقاوات وكتاتيب، وعمائر مدنية للخدمات العامة مثل المارستانات والأسواق والحمامات وقناطر المياه للناس وأسبلة الشرب وأحواض الشرب للدواب، وعمائر سكنية عامة وخاصة مثل الفنادق والخانات والوكالات والربوع والقصور والمنازل وغيرها.
أما أهم التطورات المعمارية في بناء المنازل، والتي ترجع إلى العصر الطولوني، فتتمثل في عنصر المدخل المنكسر الذي كان يطلق عليه المؤرخون العرب القدماء لفظ (باشروه)، وهو يؤدي غرضين هامين في المنازل والقصور؛ أحدهما منع أنظار المارة في الطريق من أن تكشف من بداخل الدار إذا ما فُتح الباب الخارجي، والثاني زيادة فرص الدفاع عن الدار إذا ما قامت فتن أو قلاقل داخلية أو خارجية.
العصر الفاطمي
أصبح استقلال مصر تامًّا، إذ صارت مصر مركزًا لخلافة موازية للخلافة العباسية في العراق والخلافة الأموية في دمشق، وكان من أثر ذلك أن خطت البلاد في سبيل الحضارة خطوات واسعة، وسادت روح الترف في كل شيء، وبرزت شخصية الفن المصري الإسلامي الذي تجلت فيه براعة المصريين في صور كثيرة. وأسس الفاطميون في مصر عاصمة لدولتهم هي مدينة القاهرة المعزية، وتعد أبواب القاهرة وأسوارها من أروع العمائر الحربية في العصور الوسطى في العالم أجمع، فقد كانت ولا تزال موضع الإعجاب والتقدير من كل من رآها ويراها.
وفي داخل أسوار القاهرة، شيد الفاطميون مساجد وقصورًا ومشاهد لا يزال بعضها قائمًا حتى اليوم، وأشهرها جامع الأزهر، جامع الحاكم بأمر الله، جامع الصالح طلائع.
العصر الأيوبي
تأثرت العمارة الإسلامية في مصر بالظروف التي أحاطت بقيام الدولة الأيوبية، ولذلك تمثل تطور العمارة في ظهور القلاع الحصينة والأسوار ذات الأبراج المستديرة، كما ظهرت المدارس الدينية، وفَضلاً عن ذلك فقد تطورت المئذنة والقبة كعنصرين رئيسين في العمارة الأيوبية، وقد عمل صلاح الدين الأيوبي على إحاطة القاهرة والقطائع والعسكر والفسطاط بسور واحد يحميها جميعًا من أية غارات عدائية داخلية أو خارجية، وتُوّج هذا السور بقلعة حصينة من أشهر آثار الأيوبيين في مصر، وهي قلعة صلاح الدين الأيوبي.
العصر المملوكي
اشتهر هذا العصر بالثروة والمال، فازدهرت في مصر الصناعات والحرف والفنون، وكثرت حركة البناء والعمران، وأنشأ السلاطين والأمراء الأبنية العظيمة من مساجد ومدارس، وأسبلة وكتاتيب، وقصور، ودور، وبيمارستانات (مستشفيات)، وحمامات، وخانات، ووكالات، واتبعت في بناء هذه العمائر الأنظمة القديمة المتوارثة مع ما استجد من نظم وأساليب، واندمج الاثنان معًا فنتج لنا نظام له صلة بالماضي، ولكن يمتاز بالتطور والنضج. ومن أعظم الآثار المعمارية التي ترجع إلى العصر المملوكي الأول جامع ومدرسة السلطان حسن (757هـ – 1356م)، إذ تلخص لنا واجهتها الرئيسية جميع خصائص العصر المملوكي، ففيها الخط الكوفي والخط النسخي، وفيها الزخارف.
الجامع الأزهر
إذا كان جامع عمرو بن العاص أول جامع أُسس بالفسطاط، فالجامع الأزهر هو أول جامع أُسس بالقاهرة، ولكل منهما زعامته ورسالته العلمية. وقد بدأ جوهر الصقلي، القائد القادم إلى مصر من قبل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، في بناء الجامع الأزهر في جمادى الأولى سنة (359هـ – 970م)، وانتهى العمل وأُقيمت أول جمعة فيه في 7 رمضان سنة (361هـ – 972م). وقد عرف الجامع الأزهر العديد من الإصلاحات والتوسعات والإضافات، وفي سنة 378هـ أشار الوزير يعقوب بن كلس على الخليفة العزيز بتحويل الأزهر إلى جامعة تُدرّس فيها العلوم الدينية، ولم يلبث أن غدا الأزهر في أواخر العصور الوسطى وحتى الآن بمثابة جامعة إسلامية كبرى، ضمّت كثيرًا من طلاب العلم المجاورين والوافدين من مختلف البلاد الإسلامية، وصار لكل طائفة منهم رواق خاص داخل الأزهر.