الزنبق سيد المكان

للزنابق لغة الألوان في الجمال، ففيها شموخ وعزَّة وبهاء، سواء في الحدائق أو البساتين أو الآنية… وجودها بين الأزاهير يشبه ملكة متربعة على عرشها، ففيها بهاء اللون وقوة الحضور.
هناك من ينسِّق باقة متنوعة من أزاهير الزنبق والياسمين والجوري، ويضمها جميعًا في ورقة زنبق كبيرة طويلة غضة، ويقدمها للأصدقاء والمحبين. فسلمت تلك الأزاهير، وسلمت الأيدي التي تزرعها.

زنبق الضرائر

هذا النوع من الزنابق جميل جدًا في طريقة تشكيله، وحسن منظره، وطيب رائحته. يظهر في ألوان عدة، منها الأبيض والأحمر والبنفسجي. عود أخضر يحمل أربعة زنابق متقابلة، وكل زنبقة تدير ظهرها إلى الأخرى، ومن هنا جاء اسم “الضرائر”. ولحسن الحظ، فإن هذا النوع من الزنبق يطول عمره عدة أيام، وبعدها تبدأ الزهرات بالذبول واحدة تلو الأخرى.

الزنبق في الشعر

ولندخل فسحة الشعر، فنجد الزنبق قد احتل وترًا دائمًا يصدح في ذاكرتنا، كما في قصيدة طفولية كان ملكها الشاعر الراحل سليمان العيسى:

والزنبق النعسان من سهرة الأمس
قد أطبق الأجفان خوفًا من الشمس
يا نعجتي البيضاء
يا زينة النعاج
ترعين في الرمضاء والظل للمحتاج

ويظهر عطر الزنبق في شعر محمود درويش، في مقطع من قصيدته التي بعنوان “بالزنبق امتلأ الهواءُ”:

يفرحني تذكُّرُ ما نسيتُ:
نسيتُ أن أنسى غناء الناي للأفعى.
بلا سببٍ يفيضُ النهرُ بي، وأفيض حول عواطفي..
بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ موسيقى ستصدح!

أما الشاعر نزار قباني، فللزنبق عنده لغة أخرى، حيث يقول في قصيدته “حب بلا حدود”:

يا سيدتي:
لا تنشغلي بالمستقبل..
يا سيدتي
سوف يظل حنيني أقوى مما كان..
وأعنف مما كان..
أنتِ امرأةٌ لا تتكرر.. في تاريخ الورد..
وفي تاريخ الشعر..
وفي ذاكرة الزنبق والريحان…

أما الشاعر بدر شاكر السياب، فيجعل للزنبق سريرًا بهيًا فوق الماء، إذ يقول في قصيدته “في انتظار رسالة”:

وذكرت كلتنا يهف بها ويسبح في مداها
قمر تحيَّر كالفراشة والنجوم على النجوم
دندن كالأجراس فيها كالزنابق إذ تعوم
على المياه وفضض القمر المياها
وكأن جسمك زورق الحب المحمل بالطيوب والدفء
والمجداف همس في المياه يرن آهاً فآها

مكانة الزنبق بين الأزهار

تحتل زهرة الزنبق مكانة فريدة ومرتبة متميزة بين الأزاهير المشهورة في العالم، إذ تأتي في المرتبة الرابعة عالميًّا، بكل ما تملك من ألوان وأشكال وروائح عطرة. فأينما توجد، تضفي على المكان منظرًا رائعًا يخطف الأنظار، ويسعد القلوب. وأجمل ما فيها أن رائحتها تشتد في الظلام.
إذا كانت هذه صفات الزنابق التي تعيش في الحدائق والأصص، فكيف بزنابق الماء؟! تلك التي تغرس سيقانها في التربة، فتتطاول حتى تبلغ سطح المياه، لتفرش أوراقها وأزاهيرها الرائعة الجمال، وتنشر عطرها المميز.

تُعتبر زهرة الزنبق رمزًا للنقاء والجمال، ويحمل كل نوع منها وشكله عدة معانٍ مختلفة. فالزنبق الأبيض يرمز إلى الطهارة والعذرية، ومن هنا عُدَّ رمزًا للسيدة مريم العذراء. أما الزنبق الأصفر، فيرمز إلى الحلم والتخيل والبهجة، بينما الزنبق البرتقالي يعكس معنى العاطفة والشوق الكبير.

تُعد أزاهير الزنابق من أجمل الأزاهير في العالم، مما يجعلها تدخل في الكثير من المناسبات المختلفة. فهي تقدم في حالات الحزن لتخفيف حدته، كما تُستخدم في المناسبات السعيدة مثل حفلات الزفاف، حيث تضفي المزيد من البهاء والسعادة.

أول ما يلفت النظر في معارض الأزهار، رغم المساحات الشاسعة المليئة بأزاهير متعددة الأشكال والألوان، هو الزنبق. وكأن له “إشارة مرور حمراء” تجعلك تتوقف أمامه بانجذاب، فهو ملكة الأزاهير في حسن التنسيق، وسيدة الجمال في المنظر والانسجام. تبقى صورة تشكيلاته الكبيرة، المنسقة بباقات متعددة الألوان، عالقة في الذاكرة، خاصة عندما يتداخل الزنبق البنفسجي مع الأبيض والأحمر.

أدام الله علينا متعة الجمال، وحفظها من الزوال.