الزواج من أهم المشاريع المهمة والمؤثرة في حياة المسلم، ونجاح ذلك المشروع له أثر كبير في نجاح المسلم وفلاحه في الدنيا والآخرة؛ وتحقيق السعادة والذرية الصالحة والسكينة والتفاهم وبناء أسرة مسلمة، والمساهمة في بناء المجتمع المسلم الذي يعمل بشرع الله، فيكون البيت المسلم منارة للحائرين ودليلاً للتائهين.

والإخفاق في مشروع الزواج له أثر سيء على المسلم في دنياه وآخرته، فالإخفاق فيه سبب للتعاسة والقلق والتخبط في الحياة وغياب الاستقرار والاطمئنان، والتأثير على الإنتاجية والفاعلية في الحياة، وإخراج جيل فاسد يزعزع أمن المجتمع، وإنشاء الأسر المفككة، والمساهمة في زيادة الاحتياط الاستراتيجي للشيطان من الشباب المنحرف.

لذلك يجب علينا إعداد المقبلين على الزواج إعدادًا جيدًا، حتى يصل مشروع الزواج لتحقيق أهدافه، والنجاة من العقبات ومجاوزة التحديات، فنصل للزواج الإسلامي السعيد، وفي السطور القادمة نذكر عددًا من النقاط التي تساهم في إعداد المقبلين على الزواج وتأهيلهم تأهيلاً جيدًا.

استحضار النيات الصالحة قبل الشروع في الزواج

الزواج من أهم الأعمال الصالحة، ومن هدي المسلم في سائر حياته استحضار النية الصالحة في جميع الأعمال جليلها ودقيقها، فالمرء ينال ثوابًا بنيته ولو لم يقم بالعمل، فكيف إذا قام بالعمل الصالح مصاحبًا للنية الصالحة.

والنية الصالحة تحول العادات لطاعات، والمفلحون هم الذين يكثرون من النيات الصالحة في العمل الواحد، فيتاجرون في تجارة النيات ذات الأرباح الكثيرة، والإخلاص له أثر عظيم في تذليل العقبات وتهيئة الأسباب.

فحتى يكون الزواج مباركًا، وينال الزوجان خيرًا كثيرًا؛ عليهما استحضار النيات الصالحة من تحقيق العفاف وتحصين الفرج، وإنشاء البيت المسلم والذرية الصالحة، وإصلاح المجتمع المسلم بتكوين لبنة صالحة في المجتمع المسلم.

تثقيف المقبلين بالثقافة الشرعية

إن أهم إعداد للمقبلين على الزواج يكمن في تعليمهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج، فمراعاة الأحكام الشرعية له أثر بالغ في تحقيق الزواج ومقاصده والوصول لأهدافه.

فينبغي للمقبلين على الزواج تعلم شروط الزواج وواجباته وسننه وآدابه قبل الإقبال عليه، فمعرفة الشرع ومراعاته في الزواج له بركة عظيمة على الزوجين حالاً ومآلاً، ويجعلهما يؤسسان حياتهما على نور وهداية من الله، ويجدان المخرج دائمًا من كل ضيق، فكم من مشكلة تحدث للزوجين لا يجدان مخرجًا لها إلا بمراعاة الشرع علمًا وعملاً.

الاختيار الجيد قبل الزواج

الزواج الشرعي ليس عقدًا مؤقتًا يستطيع المرء تغييره وفقًا لمزاجه وهواه الشخصي، وإنما هو عقد مؤبد دائم وعشرة العمر لا تزول غالبًا إلا بمفارقة الحياة، فلا ينبغي التسرع فيه قبل الاختيار الجيد والتفكير المتزن، فعلى المقبلين على الزواج الاختيار الجيد.

فيقدمان في شروط الاختيار التدين الصحيح المعتدل، ثم الأخلاق الحسنة، ثم الاتزان الفكري، ثم الأصل الجيد، ثم المستوى التعليمي، ثم الوضع المالي الجيد، ثم الجمال والنظافة، ثم النسب والحسب، وهكذا بقية الشروط، لكن يبقى التدين المعتدل والخلق الحسن هما المقدمان في الشروط المطلوبة للرجال والنساء جميعًا.

فصمام أمان الأسرة في الدين والخلق الحسن، لذلك ورد في الشرع الحث على الاختيار وفقًا لهما، ففي الحديث النبوي: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ)(1) وفي الحديث: (إذا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ)(٢).

الاستعداد لتقبل الاختلاف بين الزوجين

الزوجان المتفاهمان القريبان من بعضهما يحدث بينهما عدد من الاختلافات، وهذا من طبع الاختلاف بين الذكر والأنثى؛ فكيف يكون الحال بين المتنافرين غير المتفاهمين، وليست هذه الاختلافات التي تحدث بين الزوجين فقط بسبب الاختلاف المعتاد بين الذكر والأنثى، وإنما هناك اختلافات الطباع والبيئة والثقافة.

فينبغي للزوجين تهيئة أنفسهما، ومعرفة كيفية التعامل مع تلك الاختلافات، فالحياة الزوجية لا تبقى مزهرة دائمًا باللون الوردي الذي يتخيله الزوجان قبل الإقبال عليه.

فهناك اختلافات ينبغي الاستعداد لها وتقبلها والصبر عليها، ومعرفة كيفية التعامل معها، ومعرفة فنون التواصل والاتصال، ليحدث التعايش ثم التقارب ثم التفاهم ثم الانسجام وهكذا.

معرفة أسباب وطرق علاج المشكلات الزوجية

وهذا من الاستعداد الجيد والتخطيط الحكيم للزواج، فعلى الزوجين معرفة أسباب المشكلات الزوجية ومعرفة طرق التعامل معها، في الغالب أسباب المشكلات الزوجية المعاصرة معروفة ومشهورة.

مثلاً: من أسباب المشكلات الزوجية عمل الزوجة، ومالها الخاص بها التي تحصله من عملها خارج المنزل، والاختلاف في طرق تربية الأولاد بين الزوجين، وكثرة زيارات الزوجة لأهلها، والاختلاف على الميزانية الأسرية، والتعلق بالهاتف، وغياب الزوج عن البيت.

وهذه غالب تلك المشكلات، فينبغي تصور تلك المشكلات وغيرها قبل الشروع في الزواج، وكيفية علاجها من العلاج الوسط المتاح وليس المثالي الغائب؛ حتى يصلا للنجاح والنجاة من تلك العقبات.

تثقيف الزوجين بالثقافة التربوية المطلوبة

وهذه الثقافة ما نسميها بطرق التعامل بين الزوجين وفنون تربية الأولاد، فينبغي للمقبلين على الزواج تعلم ماذا تريد الزوجة من زوجها، وماذا يريد الزوج من زوجته ومراعاة ذلك، ومعرفة أساليب تربية الأولاد، حتى ينشأ البيت على تقوى من الله ورضوان.

والثقافة التربوية خاصة ما يتعلق بالصغار من الأمور المهمشة غالبًا عند الكثير من الأسر، فينبغي الاعتناء بها قبل الزواج، فتربية الأولاد ورعاية الزوجة مسؤولية عظيمة حذر الله من التهاون فيها، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم: 6)، فيجب على الزوج رعاية أهله وتربيتهم على شرع الله وتجنيبهم الوقوع فيما حرم الله أو تعدي حدوده.

تقليل النفقات في تكوين الزواج

ينبغي للزوجين الاقتصاد في النفقات الزوجية من مصاريف التأسيس والتجهيز، حتى ينالا بركة في زواجهما، وعدم المساهمة في الإسراف المشهور بين كثير من المسلمين في تأسيس الزواج، فالزواج غالبًا يُنفق فيه الكثير من الأموال التي تحتاج له الأسرة في المستقبل، وحتى يسنَّ بذلك سنة حسنة لجميع المسلمين المقبلين على الزواج.

الاستعداد النفسي للزواج

على الزوجين الاستعداد النفسي وتأهيل نفسهما للقيام بواجبات الزواج والقيام بالدور المطلوب منهما، فالزواج ليس أخذًا فقط ولا راحة دائمة، بل هو تضحية وبذل وعطاء.

فينبغي للزوجين الاستعداد لهذا الأمر لينجحا ويفلحا فيه، وليعلما أن بجوار العطاء الأخذ، ومع المشقة الراحة، والعقبات تحيط بالفرص، فتهيئة النفس لواجبات الزواج ومسؤولياته يساعد على النجاح فيه.

التصور الكامل لمشروع الزواج

من الأخطاء الشائعة في تشويه الزواج اختصار الزواج في شيء واحد أو شيئين، مثل اختصار الزواج أنه للشهوة فقط أو أنه هدر للمال أو سبب للمشكلات والأزمات.

وهذا يفقد الزواج بريقه ويضيع حلاوته وتألقه، فينبغي للمقبلين على الزواج النظر للزواج على أنه منظومة كبيرة ومشروع عظيم مملوء بالتحديات والفرص والخير والعقبات ينال به الزوجان خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة.

تلك بعض النقاط السريعة التي تساهم في تأهيل الزواج تأهيلاً حسنًا لهذا المشروع العظيم، وتجهيز الزوجين تجهيزًا ثقافيًّا وعلميًّا ونفسيًّا وإيمانيًّا، لينالا أجرًا وسعادة وتفاهمًا وسرورًا واستقرارًا وأمنًا وأمانًا في حياتهما، رزق الله الجميع الثواب والسعادة والاستقرار في الدارين.

________________

(1) صحيح البخاري، ج7، ص7، ح 5090، كتاب النكاح، بَابُ الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ، ط1، عام ١٤٢٢، دار طوق النجاة، بتحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر.

(2) سنن الترمذي، ج٢، ص386، ح 1085، ط دار الغرب الإسلامي ببيروت عام ١٩٩٨، وقال الترمذي عقبه: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ الْمُزَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في (إرواء الغليل، ج6، ص268، ح1868)، الطبعة الثانية عام 1405، ط المكتب الإسلامي.