“إن الطبيعة بكل أجزائها معرض للمعجزات (الإلهية)، بيد أننا نرى تسميتها بـ”الكتاب” أنسبَ من المعرض؛ ذلك أننا نستشعرها وندرسها ونشاهدها بإعجابٍ وكأننا نطالع كتابًا مذهّبًا مزخرفًا بألوان مختلفة. أجل، نحن ننظر إليها دوْمًا باعتبارها مصدرًا للروح والحياة”.. كلمات استهل بها الأستاذ فتح الله كولن مقاله الرئيس لهذا العدد من حراء المعنون بـ”الطبيعة المجنيّ عليها”، لتعبِّر عن فهمه للطبيعة المنبثق من روح الإسلام. سعى كولن دائمًا إلى بناء الإنسان الصالح المؤهل لوراثة الأرض، وإلى غرس القيم الأخلاقية السامية في جوانيته؛ لأنه يعتبر الإنسان قلب الأرض، إذا صلُح صلحت الأرض وإذا فسد فسدت الأرض، وإذا انتصر هذا الإنسان على نوازع النفس في الداخل نجح في بناء العمران في الخارج.
وبما أن الإنسان قلب الأرض ومؤهل لوراثتها، فلا بد له إذن أن ينتصر على نوازع النفس في الداخل، ولكن في غمرة الحياة قد يشعر هذا الإنسان بالحزن فيصاب بالاكتئاب. وإن الوقاية من الاكتئاب وعوامله تبدأ بالتنشئة الأخلاقية والدينية التي تعمل على دعم الجانب الروحي والوجداني للإنسان وغرس القيم فيه.. وهذا ما يعالجه مقال الكاتب “خالد صلاح حنفي محمود” المعنون بـ”الاكتئاب جائحة العصر”.
وإذا كان الأستاذ كولن قد أشار إلى قضية الطبيعة واعتبرها مصدرًا للروح والحياة، فقد تحدث “عمرو يحيى” عن مصدر مهم في الإنسان هو “الفطرة”، مبيّنًا أن الإنسان مفضل على سائر المخلوقات ما دام يحفظ حق الله عليه ويقر بربوبيته وألوهيته، ويسعى إلى تعمير الأرض، وإلى التعاون في نشر الخير وما ينفع الناس.
كما يضيء “سعيد بوعيطة” جوانب الرؤية في ما يتعلق بالعمق السلمي للإسلام، مؤكدًا على أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، هو التعارف والسماحة والتآلف والتكامل، واحترام التعددية الدينية والمذهبية والفكرية، واحترام إنسانية الإنسان. وفي السياق نفسه تسلط “صبحة بغورة” الضوء على “الحوار في العلاقات الإنسانية”، مشيرة في ذلك إلى أمثلة من المشاركات الإيجابية في المصلحة الإنسانية.
أما “سناء نذير الترزي” فتتحدث في مقالها العلمي عن “وسائل نقل جماعية للسياحة الفضائية”، مشيرة إلى أن الشركات العالمية بدأت في منافسات كبيرة لتهيئة الأوضاع لسائحي المستقبل، حتى يكون الفضاء أكثر راحة واستعدادًا لاستقبالهم.
وفي مقاله الماتع، يأخذنا “صابر عبد الفتاح المشرفي” إلى عالم الابتسامة وما أجريت حول الابتسامة من بحوث علمية، مركزًا على ابتسامةٍ اسمها “دوشين”، التي وصفها بأنها الابتسامة “الحقيقية” التي تظهر بشكل لا إرادي في كثير من الأحيان، وأنها نوع فريد جدًّا من الابتسامة التي يدرسها علماء النفس منذ أكثر من قرن.
هذا إلى جانب مقالات أدبية وعلمية وثقافية يذخر بها هذا العدد من حراء، سائلين المولى أن يجد فيه قراؤنا الأعزاء ما ويدفعهم إلى تنمية ملكات الإبداع والتأمل والتفكير لديهم، والله من وراء القصد.