في أحد الأيام، اتصل المؤرخ الدكتور/ عبد الحليم عويس بأستاذه الشيخ/ محمد الغزالي؛ فقيل له: “اتصل بعد ساعة، فالشيخ منشغل جدًّا. وبالفعل، عاود التلميذ الاتصال بشيخه، ولمّا سأله عن سبب انشغاله؛ أجاب الغزالي قائلاً: “كنت أتابع؛ بشغف دروس شيخنا الشعراوي”.
أثناء إلقاء الشيخ/ أحمد حسن الباقوري كلمته في أحد المؤتمرات بجامعة القاهرة في التسعينيات، سأله سائل عن أفضل التفاسير الحديثة من وجهة نظره؛ فقال له: “عليك بتفسير مولانا الشيخ الشعراوي؛ فقد مزج القديم بالجديد، وآلف بين المناهج التفسيرية؛ فانتقى منها الأفضل، والأنسب، والأصلح، وأضاف إليها فقهه، وثقافته، وتبحره في العلوم”.
سئل الإمام المفسر/ محمد سيد طنطاوي- شيخ الأزهر الشريف السابق- عن مكانة تفسير الشعراوي بين المفسرين قديمًا وحديثًا؛ فأجاب قائلاً: “مَن لم يستمع إلى نظرات الشيخ الشعراوي، وخواطره، وتجديداته، واجتهاداته في التفسير، والفقه، والحديث الشريف، والدعوة، والسيرة النبوية، واللغة، والبلاغة، وعلوم العصر؛ فقد فاته من الخير الكثير الكثير! إن تفسير الشعراوي هو كنز التفاسير، بل هو تفسير التفاسير، وخلاصة الفكر، والنظر، والأثر”.
هذا، وقد وصف الدكتور الراحل/ عبد الله شحاتة، صاحب التفسير المعروف، الشيخَ الشعراوي: “بأنه عمدة المفسرين في القرن العشرين، وأبلغ من عاش مع كتاب الله العزيز؛ تلقيًا، وتفكرًا، واستنطاقًا، واستلهامًا، وتمثلاً في أغلب فترات حياته”.
أما العلامة الدكتور/ شوقي ضيف- رئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية الأسبق، وصاحب التفسير الوجيز، فقال عن تفسير الشعراوي: “لقد أنار لنا الشيخ الشعرواي دروب الفهم، والتحليل، والتمنطق، والتفلسف، والاجتهاد؛ فاقتربنا أكثر من واحة القرآن حتى كأنه كان يتنزل علينا بعد خمسة عشر قرنًا من نزوله، وأسعفنا بمقدرة المرء، صاحب العقلية الراجحة الناقدة، والاستيعاب التام، والفهم العجيب، والتذوق العالي، والكشف الروحاني، على مطارحة كبار علماء الأمة في مسائل العلم الشرعي، وغير الشرعي”.
في رسالته لنيل درجة الماجستير في كلية الدعوة بجامعة الأزهر الشريف (الإلهيات في فكر الشيخ الشعراوي) قال الباحث/ عمر رجب محمود: “إن كتابات السابقين، ربما خلت من الربط بين العقيدة والسلوك، وهذا ما تنبه له رجال الفكر الإسلامي في العصر الحديث؛ فجعلوا جُلَّ اهتماماتهم، إبعاد الدخيل في هذه العقيدة، وتجلية الأصيل منها، ودحض شبهات الملحدين؛ فعادوا بالعقيدة إلى منابعها الصافية: كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ومن هؤلاء؛ الذين خاضوا هذا المجال، واقتحموا هذا الميدان، الشيخ الشعراوي، الذي كان ذا علم واسع، وعقلية فذة، وحجة دامغة، وحافظة قوية، وفهم دقيق لمسائل العقيدة الإسلامية، وقد ساعده على ذلك؛ إلمامه باللغة العربية، وأساليبها، وأسرارها البلاغية واللغوية، والنحوية، والجدل، والمنطق؛ فتمكن من دحض حجج المستشرقين والمبشرين”.
في حين؛ ذكر الباحث السوداني/ عمر يعقوب الصالحي في رسالته (مدرسة الشيخ الشعراوي في التفسير) المقدَّمة لجامعة وادي النيل؛ لنيل أطروحة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن، أن دراسته خرجت بنتائج مهمة؛ منها: ” شمولية التفسير عند الشيخ/ محمد متولي الشعراوي، حيث إنه يدور في فلك القرآن الكريم مستغرقًا جميع موضوعاته من: اعتقادات، وأخلاقيات، وعبادات، ومعاملات، وعقوبات. كما أن تفسيره أحاط بجميع المناهج الخاصة بالمدارس التفسيرية: اللغوية، والفقهية، والعلمية، والموضوعية، والوعظية. كما أن الأطروحة كشفت عن بروز شخصية الشعراوي في تفسيره؛ فأبرزت طول باعه، وسعة أفقه؛ فهو ليس بالمقلِّد؛ الذي يجمد عند آراء القدماء، بل هو ذلك العالم الراسخ؛ الذي يجيد فهم ما يريد القدماء، ثم يترجمه بلغة سهلة سلسة، تغزو القلوب، وترسخ في العقول”.
وأضاف الصالحي قائلاً: “إن الدارس لتفسير الشيخ الشعراوي، يلمح الدقة العلمية المتناهية، وهي ثمرة من ثمرات الرجل، وحصافته، ومن جوانب الدقة عنده، تركيزه في تفسيره، ومما كان يزيد في تركيزه، تلك الخلوة، التي كان يخلو بها مع نفسه؛ فالخلوة أكسبت الشعراوي تخليةً؛ فانعدمت عنده الإسرائيليات، وتجليةً؛ فهو تفسير طيب، رائق، وتحليةً؛ فهو يخاطب الروح، وتجليةً؛ فهو يرقى بها إلى أعلى درجات السمو، والكمال”.
وفي رسالته للدكتوراه (منهج الشيخ الشعراوي في تفسيره ومقارنته مع مناهج المفسرين المعاصرين) بكلية الآداب بجامعة عين شمس بمصر، ذكر الباحث/ محمد أحمد التجاني: “أن تفسير الشيخ الشعراوي جدير، بأن تجري حوله نوعان من الدراسة: الدراسة التحليلية؛ التي تعتمد على الاستقراء الهاديء المتأني، التي تبين جوانب الجدة والابتكار في تفسيره، وتكشف كذلك عن منهجه فيه. ودراسة أخرى، مقارنة مع أبناء عصره من المفسرين العرب، تبين أوجه الاتفاق، والاختلاف معهم، في محاولة لوضع تفسير الشيخ الشعراوي في مكانه اللائق به، بين تفاسير إخوانه من المفسرين في المكتبة العربية الإسلامية”.
كما دعا التجاني الباحثين إلى ضرورة إنجاز أطروحات أكاديمية تتبّع جوانب عبقرية الرجل، من خلال خواطره حول القرآن الكريم، وتحاول أن تستكشف منهجه فيها، كما هو الشأن بالنسبة للدراسات المتكاثرة حول تفاسير: ابن كثير، والطبري، والسيوطي”.
وقال التجاني: “إن ما يتمتع به تفسير الشعراوي، هو اشتماله على الكثير من الاستنباطات، والتوفيقات، والترجيحات، والردود على الكثير من الأقوال التي شاعت في كتب التفسير، مما لا يتفق والشريعة الإسلامية، بحيث يبدو للمتابع أن الشعراوي، قد استوعب ما سبق من أعمال المفسرين، وأضاف إليه ما يحتاج إليه المعاصرون، من معارف العصر المتطورة. فقد جمع الشعراوي بين عدة مدارس تفسيرية؛ فأفاد من ميزة كل مدرسة قديمة، أو حديثة، كما أنه تفسير اهتم بالكشف عن جوانب الإعجاز في القرآن الكريم سواء: البلاغي، أو الغيبي، أو العلمي، أو غيرها”.
كما أجرى الباحث دراسةً مقارنة بين منهج الشعراوي في التفسير، ومناهج المفسرين العرب المعاصرين في مصر، والسودان، والحجاز، والشام، وشمال إفريقيا. ومن هؤلاء المفسرين: الشيخ/ طنطاوي جوهري في تفسيره(الجواهر)، والشيخ/ حسنين مخلوف في تفسيره (صفوة البيان لمعاني القرآن)، والشيخ/ أحمد مصطفى المراغي في تفسيره (تفسير المراغي)، والدكتور/ شوقي ضيف في تفسيره (الوجيز في تفسير القرآن الكريم)، والدكتور/ محمد سيد طنطاوي في (التفسير الوسيط). ومن السودان؛ الشيخ/ محمد عثمان الميرغني في تفسيره (تاج التفاسير)، ومن شمال إفريقيا؛ الشيخ/ الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير)، ومن الشام؛ الشيخ/ جمال الدين القاسمي في تفسيره (محاسن التأويل)، والشيخ/ محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار)، والدكتور/ الحمصي في تفسيره (تفسير وبيان مفردات القرآن). ومن الحجاز، الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان)، والشيخ/ الصابوني في تفسيره (صفوة التفاسير)، وتفسير الشيخ/ محمد بن يوسف أطفيش (تيسير التفسير) وغيرها”.
وانتهى الباحث إلى أن تفسير الشعراوي يزيد على تفسير طنطاوي جوهري، دقةً في الفهم العلمي، واستيعابًا، ونقدًا، وتوظيفًا، وربطًا بين حقائق العلم والإعجاز القرآني. كما أنه يتساوى مع تفسير المراغي في الاعتماد على المأثور، ويفضله في احتكامه إلى الرأي السديد، والترجيح الصائب، والنقد البناء. كما أنه يزيد على تفسير سيد طنطاوي غوصًا على مسائل المنطق، والفلسفة، والإعجاز، والبلاغة. وهو يربو على تفسير شوقي ضيف الوجيز؛ لأنه تفسير موسوعي. كما؛ أنه لم يقع في أخطاء تفاسير: طنطاوي جوهري، ومحمد عبده، والمراغي، ورشيد رضا، وابن عاشور، والقاسمي، والصابوني، والسعدي، وأطفيش، والميرغني.
لكن باحثًا معاصرًا- من أنصار مدرسة الشعراوي- لم تمنعه الموضوعية، والأمانة العلمية، أن يأخذ على الشعراوي عدة مسائل، رآه كان غير موفقٍ فيها، منها: “أنه لم يحدد لنفسه ملمحًا منهجيًّا واحدًا؛ يسير على هديه ورحابه في نظراته القرآنية، فمن ثم وقع في الموسوعية، التي من آفاتها: الاستطراد، والمط، والتطويل، والجمع بين أكثر من منهج وطريقة. وهي أمور، لا تتناسب مع لغة العصر السريعة، وثقافته الاستسهالية الانتقائية الجاهزة، البعيدة عن التعقيد، والتصعيب، ولا مع حاجة الناس اليوم إلى التيسير والسهولة. كما أنه تحدث في كل القضايا، والمسائل، والعلوم، وأنّى له ذلك، ونحن في عصر التخصص، بل التخصص الدقيق الدقيق؟! كما أنه كان يتمنى من أعماقه، لو أن الشيخ الشعراوي كتب تفسيره بيده؛ ليكون مقروءًا، كغيره من التفاسير الأخرى، بعد غربلته من الحكايات، واللهجة المصرية، والألفاظ الدارجة”.