(عين الإنسان إعجاز وبيان)
الدموع هي إهداء النفس للنفس، وعندما تبكي بدون خجل فقد وصلت إلى قمة النضج النفسي والذهني. فالدموع البشرية تروي النفس وتغذيها، إذ يفرز الإنسان العادي بمعدل ثابت حوالي نصف لتر من الدموع في العام، أي بمقدار 1.5 سم مكعب في اليوم. ومن هنا يجيء التساؤل عما إذا كانت هناك علاقة بين عدم ذرف الدموع والإصابة بالمرض. والإجابة بالطبع كما يقول العالم الأمريكي “وليم فري”: “فالدموع تعمل على إخراج المواد السامة التي تولدها بعض حالات الانفعال، ولذا فإن حبس الدموع يُعرض الإنسان للإصابة بالتسمم البطيء”.
وأكدت تجارب “فري” أن الدموع تخلص الإنسان من مواد سامة يصنعها الجسم كله في حالة توتر، وكشفت التجارب أن تركيب الدموع يختلف تبعًا لمسبباته وللأشخاص الباكين أيضًا، فقد تبين أن دموع الفرح -مثلاً- تحتوي على نسبة كبيرة من الزلال تزيد بحوالي 25% عن الدموع الأخرى، كما أكد البعض استنادًا إلى تحاليل معملية إلي أن دموع الحزن أكثر ملوحة من دموع الفرح. وحسب البروفيسور جوزيف سترومبيرج الذي يقود فريقًا بحثيًّا بمعهد «سميثسونيان» الأمريكي للأبحاث العلمية؛ تختلف دموع الحزن عن دموع الفرح أو الغضب أو التوتر سواء على مستوى الشكل الهيكلى أو التركيب الكيميائي للسائل الذي تضخه القنوات الدمعية، إذ يبدأ المخ بضخ إشارات للقنوات الدمعية لتقوم بتكوين المادة الكيميائية الملائمة للحالة العاطفية التي رافقت البكاء كي تصبح هذه التركيبة الكيمائية ملائمة لخلق توازن يجعل صاحبه يشعر بالاتزان في أعقاب البكاء؛ فالدموع العاطفية تحوي هرمونات قائمة على الناقل العصبي ليسين إنكيفالين الذي يتم إطلاقه عندما نشعر بالتوتر، لكن الدموع السعيدة تختلف عنها جذريًّا من الناحيتين الكيميائية والهيكلية.
لقد أسفرت التجارب التي قام بها عدد من العلماء عن ظهور علم جديد هو “علم الدموع” الذي انعقد أول مؤتمر طبي له عام 1985 م بالولايات المتحدة تحت شعار: “ابكِ تعش أكثر” حيث دعا المؤتمر إلى أن يصبح تحليل الدموع من التحاليل الطبية الشائعة مثل تحليل الدم وتحليل البول لأن نتائجه تقدم للطبيب معلومات وافية عن حالة الجسم.
يقول الأديب الإنجليزي (ريتشارد ديكنز): “إن البكاء يُوسع الرئة ويغسل الملامح ويُدرب العيون وغالبًا ما يهدئ المزاج فابكِ كما تريد” لأنك –أولاً وقبل كل شيء –إنسان له أحاسيس ومشاعر فعبر عن نفسك وانفعالاتك وأطلق العنان لدموعك لتغسل همومك وأحزانك، ولكي تعيد الراحة إلى نفسك والبسمة إلى حياتك.
فالبكاء أفضل علاج للأعصاب المتوترة، يُنقذ من الكبت الذي يعانيه إنسان العصر الحديث ويُفِّرغ الشحنة التي يسببها الإرهاق والتعب، فالبكاء صحة والدموع تغسل النفس، وللبكاء فائدة عظيمة في الترويح عن الإنسان.
والإنسان –رجلاً كان أو امرأة مخلوق وهبه الله الدموع، وفي انسياب الدموع تفريغ للشحنات السامة التي تُحدثها التوترات العاطفية، وفي حبسها وكبتها تسمم بطيء لصاحبها، كما أن بالسائل الدمعي إنزيم خاص يقضى على الميكروبات التي تدخل في العين فيحميها.