على امتداد تاريخ العالم الإسلامي والعربي، وعلى سعة رقعته الزمانية والمكانية فإنه وفي كل عام تستقبلُ الأمةُ فيوضات شهرِ الخير كأنها حديثةُ عهدٍ به.. «رمضان» نقطة بداية تتلاقى فيه الروح بالجسد؛ فتأسره بشوقِ الجِنان وتعبرُ به واحات الخيرِ غير عابئة بما يملك من مقومات ثباته وصموده.. فللروح طاقة علوية تستمدها من السماء، تفيض عطرًا وسماحة، والجسد بين يديها أسير رغبتها، فإن يك له سطوة عليها في غير رمضان، فإنه في رمضان يُسلم نفسه طواعية راضيًا مرضيًا بما تدنيه من مفاوز الطاعة ومقاصد النجاة.
فما إن يَهل شهره وتقترب أيامُه إلا وتهب نسائم الغفران وتنبعث في خلايا الجسد الراكن أسباب القوة والنشاط، فيا لها من طاقات فياضة ونفحات زكية وإقبال منقطع النظير.
لم تكن يومًا نسائمه عصيَّة، لكنها نديَّة تَبرُقُ بالأمل وتبعث الروح في الحياة وتنثر التفاؤل وتجدد العزائم وتنشر الفضائل، فيكسو الكون كله عبير رمضان.. المساجد معطرة والبيوت مُزَيّنة والشوارع مهيأة والنفوس تواقة والأجساد منقادة.. فتتناغم أركان الوجود وتنمحي آثار الذنوب.
هو شهرٌ بدهر، بل شهر بعُمُر، بل شهر بكَ أنتَ فإن ضيعته ضعت، وإن اغتنمته هُديت، وويل ثم ويل لمن أدركه رمضان نائمًا فعبرَه كسلان، فلم يتزود فيه بغير النوم والركون، ولم ينتبه فيه إلا وقد انفض موسمه وأقبل الفائزون يَهنَئون بيوم الجائزة وهو لا يزال متكئًا على عكازه؛ يتألم في حسرة ويتحسر في ألم.
فيا أيها المسلمون أفيقوا وجهزوا له عدته.. فاستيقظوا تُؤجروا وانتبِهوا ولا تَغفلوا تَرشُدُوا وتُهدُوا وتُنْصَروا.