إن قيمة العمل بكل مكان وزمان لا يختلف عليها اثنان، بل إن العمل ضرورة للقيام بأمور الحياة ومعاشها، فكيف سيحيى البشر دون أن يضيفوا للعالم شيئا ويكسبون المال في المقابل، والأنبياء بصفتهم قدوة ومرجع لنا في حياتنا دائمًا، يتوجب علينا معرفة الكثير عن حياتهم وعن ما هي أعمالهم التي صنعت منهم تلك الشخصيات العظيمة التي نجلها ونقدرها.
فالعمل هو شيء أساسيّ في حياة كلّ الإنسان وهو ما حثّ عليه الرسول الصلاة والسلام وكذلك جميع الديانات السماوية فالعمل أو المهنة من الضروريّات جداً لكي يحصل الإنسان على ما يحتاجه في الحياة، وبالإضافة إلى أن العمل مهم لإتمام التكامل الإجتماعي بين الناس، ولهذا حثّ ديننا الإسلامي على العمل حيث ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام قولّه: “أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أحبلهُ، ثم يأتي الجبل، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ من حَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَه، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ”. كذلك ورد الحث على العمل في القرآن الكريم حيث قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اْلأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾(الملك:15)
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين أرسلهم سبحانه وتعالى لهداية الناس هم قدوةٌ للبشر على الأرض، فلذلك فقد كان كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعمل بمهنة مختلفة مع أنّهم يمتلكون أسمى المهن على الأرض وهي: “الدعوة إلى الله تعالى وعبادته وحدّه لا شريك له”، حيث كان الأنبياء ماهرين بمهنهم وأعمالهم التي يقومون بها ومتقنين لها، ويمكننا أن نوردها كما يلي:
محمد صلى الله عليه وسلم: وهو خير البشر حيث كان قبل بعثته يعمل بمهنة التّجارة، وتزوّج السيّدة خديجة بنت خويلد ، فأوكلت إليه مهمّة رعاية أموالها وتجارتها ، حيث كان نبينا عليه الصّلاة والسّلام خير من مارس تلك المهنة بفضل صدقه وأمانته التي يتمتّع بهما، لذلك إزدهرت ونمت تجارة السيدة خديجة على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى تلك المهنة فقد عمل عليه الصلاة والسلام في رعاية الأغنام خلال فترة من حياته .
إدريس عليه السلام: كان سيدنا إدريس من الرسل التي وصفهم الله بالصديقين والصابرين، فقد ولد سيدنا إدريس في مدينة بابل الموجودة في منطقة العراق وبدأ يتعلم فيها ومن ثم إنتقل إلى مصر حتى يبشر فيها الرسائل التي تحملها الأديان السابقة، فقد قام أهل مصر باستقباله المصريين، وأشتهر وهو معهم بأبي الحكماء في العراق ومصر كما أنه عاش في العديد من الحضارات منها الحضارة المصرية والحضارة البابلية والحضارة السومرية.
عمل سيدنا إدريس بالعديد من الحرف، فقد كان أول شيء يتعلم الكتب السماوية التي علمته إياها الملائكة بعد أن إختاره الله عز وجل ليكون نبيا، كما أنه تعلم الكتابة والقراءة وقام بنشرها في الأمم وقام باختراع أدوات يقوم بالكتابة بها وكما أنه تعلم علم النجوم وعلم الفلك وعلم الحساب وتعلم أيضا علم حركة الكواكب والعديد من لغات العالم التي وصلت إلى 72 لغة، وهذه اللغات هي التي كانت منتشره في زمن سيدنا إدريس عليه السلام، فضلاً عنه أنه عمل بالخياطة وكان أول من خيط الملابس واستبدالها بما كان الناس يلبسونه وهو الجلد، وكان يعمل على إرشاد الناس في هذا الوقت إلى عبادة الله عز وجل، وكما أنه عمل بالطب وفي مجال الكيمياء وقد يقول البعض بأن سيدنا إدرييس هو من وضع علم بناء الأهرامات حتى يحافظ على علومه من الغرق في الطوفان الذي أكدوا له بأنه سيحدث في هذه الفترة، فقرر بأن يقوم بنقش علومه على جدران سميكة حتى لا تندسر علومه.
نوح عليه السلام: كان سيدنا نوح عليه السلام يرعى الغنم في وقت الفراغ بعد الإنتهاء من المهنة الأساسية وهي النجارة، فقد كان يعمل في مجال النجارة ومن ثم هداه الله إلى أن يقوم بصناعة سفينة كبيرة تستطيع تحمل آلاف من الناس والحيوانات بمختلف أنواعها، وهذا من أجل حمايتها من الطوفان الذي أمره الله أن يحدث في الأرض ليقوم بنقل السفينة هذه إلى مكان آخر هاديء، فقد قام سيدنا نوح عليه السلام بالبدء في بناء السفينة وهذا من خلال وضع البداية اليابسة في السفينة، وهذا حيث أن سيدنا نوح كان يبني السفينة في مكان لا يوجد به أي ماء ولكن الله بعد أن أمر أن قوم نوح مغرقون أمر الماء أن تغمر المنطقة بأكملها وبالتالي بدأت السفينة في الارتفاع على سطح الماء وتسير إلى مكان آخر.
داوود عليه السلام: نبي الله داوود عليه الصلاة والسلام كان يعمل في مهنة الحدادة وهي معجزته عليه الصلاة والسلام، حيث كان يلين الحديد بين يديه عليه السلام بشكل عجيب ثم يشكلّه كيفما يشاء فيصنع منه الأسلحة والدروع وغيرها، قال الله تعالى: “وألنّا له الحديد”.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم”، هذا يدلّ أنّ كل الأنبياء عليهم السلام رعوا الأغنام ومنهم نبينا موسى والنبي إبراهيم عليهم السلام، وذلك لما تعطيه هذه المهنة لأصحابها من القدرة على تأمل الكون ودقائقه وتفاصيله والارتقاء الروحي، مما يرسخ الإيمان بالله، ويزيد الحكمة.
إبراهيم عليه السلام : كان سيدنا إبراهيم مواجها للعديد من الصعوبات والمشاكل خلال فترة حياته ولكنه كان من الرجال أولي العزم، فقد واجه العديد من المشاكل التي واجهته خلال نشر الدين الذي أنزله إياه به فقد نشأ سيدنا إبراهيم بين مجموعة من البشر يعبدون الأصنام بدلا من الله عز وجل، وكان والده يعمل نحاتا لهذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر وكان من غير المعقول أن ابن أكبر النحاتين يستنكر من الأصنام التي يعبدها الكل فقد قام بمصارحة أبيه بما يدور في عقله بأن هل يعقل أن يعبد الإنسان شيء صنعه بنفسه فغضب أبوه منه وطرده من المنزل وهدده بأنه سوف يرجم بالحجارة خارج المنطقة، وفي عيد من الأعياد الخاصة بهولاء الناس قام سيدنا إبراهيم بهدم هذه الأصنام جميعها وترك فقط الصنم الأكبر، وعندما رجعو وشاهدو ما حدث إلى آلهتم قال البعض أن إبراهيم هو من حطمهم لأنه سمعه يسب في الآلهة فبعد أن سأله الناس هل أنت من قمت بتكسير هذه الأصنام قال أسئلوا كبيرهم، فتراجع البعض وعرفوا أنهم جميعا على خطأ لأن هذه الأصنام لا تتحدث، وبعدها قامو بإشعال نار كبيرة جدا وقاموا بإلقاء سيدنا إبراهيم فيها ولكنه توكل على الله عز وجل ولم يخيبه الله، فقد فمنحه الله معجزة أبهرت الجميع وهي أن الله أمر النار أن تكون باردة على إبراهيم، حتى ينجو منها.
كان يعمل سيدنا إبراهيم عليه السلام في مهنة البناء والتشييد للمباني، وهذا حيث أن الله سبحانه وتعالى أمره بأن يقوم ببناء الكعبة المشرفة التي ساعده في بناءها سيدنا إسماعيل عليه السلام، وهذا بعد أمر الله له بأن يقوم بوضع حجر الأساس للكعبة المشرفة حتى تكون مزارًا للناس فيما بعد وتعتبر هذه الكعبة من أجب الأماكن إلى الله والتي يوفد إليها المسلمون من كل مكان حتى الآن.
إسماعيل عليه السلام: كانت مهنة سيدنا إسماعيل عليه السلام هي القنص أي الصيد .
آدم عليه السلام : سيدنا آدم هو أول من عمل في مهنة الزراعة .
صالح عليه السلام :كان سيدنا صالح عليه السلام يعمل في تربية الإبل، وقد كان يشرب الحليب ويبيعه حتى يحصل على الرزق، وهو صاحب الناقة الشهيرة التي ذكرت في القرآن الكريم.
لوط عليه السلام: كان سيدنا لوط مؤرخًا كبيرًا وقد كان يسافر من بلد إلى آخر دائمًا، أنه الأب الأكبر لجميع المؤرخين.
هارون عليه السلام :كان هارون وزيرًا لأخيه سيدنا موسى عليه السلام، يساعده في أداء رسالته العظيمة، وكان موسى عليه السلام يستشيره في مختلف الأمور لأنه كان يثق به وبآرائه الحكيمة كثيرًا، وبالفعل قام هارون بدوره على أكمل وجه وأصبح عونًا لأخيه.
سليمان عليه السلام: هو ابن النبي داوود، وكان حاكمًا في عصره، ولقد سخر الله له الطير والجن والريح ووهبه ملكًا لم يهبه لأحد من بعده؛ بعد أن دعى ربه وقال: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(ص:35- 39).
زكريا عليه السلام: عمل سيدنا زكريا بالنجارة، وكان يكسب من عمل يده، ويكفل السيدة مريم ، حتى بشره الله بغلام اسمه يحيي.
يوسف عليه السلام: عمل سيدنا يوسف وزيرًا للمالية ومسئولًا على خزائن مصر نظرًا لخبرته بالزراعة وحفظ المواد الغذائية، فقد جاء في كتاب الله بسورة يوسف (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(يوسف:55)، ويرجع الفضل ليوسف في تجاوز مصر لمحنة السنوات العجاف التي طالتها في عهده.
وهذا يدل و بشكل صريح على أن لكل نبي حرفة أو مهنة، و ذلك راجع إلى أن الدين في الأصل يقوم على أداء ما تتطلبه شئون الحياة من صناعة أو تجارة أو زراعة، ولهذا السبب جاء توجيه الدين الإسلامي، و تأكيده على ضرورة استخدام كافة الوسائل، والطرق المتاحة للإنسان في جميع مجالات العمل .
فكمثال في مجال الصناعة جاء قول المولى عز وجل في محكم أياته الكريمة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)(الحديد:25)
إذ تدلنا هذه الآية الكريمة على فضل الصناعة ، و التي تمكن الإنسان من خلالها من استخدام ما أودع في جوف الأرض ليوفر به سبل الراحة ، وقيام الحضارة .
علاوة على أن العمل مهم من أجل إتمام التكامل الاجتماعي بين الناس، و الدين الإسلامي هو ذلك الدستور العظيم، والذي هدفه العمل على استقرار حياة الأفراد، وبالتالي الجماعات ثم الأمم ، ولعل أبرز دليل على ذلك قوله تعالى في محكم أياته (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(التوبة:105).