(حراء أونلاين) القبضة الأمنية الحديدية التي يستعملها أردوغان لتصفية المعارضين، والإجراءات القمعية الصارخة التي تطال كل مَن تسوّل له نفسه انتقاد الرئيس التركي أردوغان، وانتهاك الحقوق والحريات والقوانين والتعسف فصول عدّة يشهدها الواقع التركي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/ تموز 2016م.
حرب أردوغان هذه المرة تُشن على العقل التركي المعاصر وتراثها الحضاري العتيق، ففي تقرير جديد أصدرته نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية بعنوان “تركيا محرقة الكتب ومقبرة دور النشر” أكد التقرير أن الثقافة التركية لم تكن بمعزل عن الإبادة القمعية الشاملة التي تشنها حكومة أردوغان تجاه معارضيها.
فقد قامت الحكومة -على غرار ما حدث في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين- بالتخلُّص من أعداد هائلة من الكتب والمنشورات والمطبوعات التي لها صلة بحركة “كولن”. وعجَّت صناديق القمامة العامة، والغابات والشوارع في الأحياء بأطنان من الكتب التي ألَّفها فتح الله كولن أو نُسبت إليه، وقد بلغ القمع حدًّا جعل حيازة كتاب من تأليف “كولن” أمرًا كافيًا لإيداع حائزه في السجن.
هذه النظرة العدائية لمؤلفات كولن، أجبرت الأكاديميين والباحثين الدارسين لحركة الخدمة وزعيمها أن يتخلصوا على الفور من هذه الكتب، ففي إحدى الحوادث المعروفة، تمّ اعتقال مؤرخ في جامعة “تونجيلي” بعد أن عثرت الشرطة على كتاب لكولن في مكتبه الجامعي. ورغم أن هذا الأكاديمي نفسه مناهض لكولن ومعلن لإلحاده، فقد وُجِّهت له اتهامات بالعضوية في حركة الخدمة.
قمع الأفكار الحرّة
رغم أن الهدف الرئيس كان “كولن” وحركته، إلا أنه لم تسلم أي مجموعة أو منظمة من حملة الحكومة على الإصدارات الثقافية والفكرية. حيث كانت جزءًا من سياسة أوسع لسحق أي شكل من أشكال النقد والتفكير الحرّ، ولقد تأثرت في هذا الصدد جميع الأكاديميات والمدارس ودور النشر والمنافذ الإعلامية تأثرًا عميقًا بعمليات القمع التي حدثت بعد الانقلاب.
إن خنق عالم النشر عن طريق القمع والاضطهاد الأبدي، وحرق كتب “كولن”، واعتقال مئات الأشخاص بسبب حيازتهم لتلك الكتب، وتجديد الحظر على المجلات والصحف الكردية، ومداهمات الشرطة ضد الناشرين اليساريين، تمثل بحق حقبة مظلمة جديدة للمشهد الثقافي والأدبي في تركيا أردوغان.
لغة الأرقام تتحدث
تتحدث الأرقام الهائلة عن نفسها في وصف المشهد الثقافي في تركيا في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية؛ فقد تم إغلاق ما جملته أكثر من 160 منفذًا إعلاميًّا بينما تمت مصادرة أو إغلاق أكثر من 1150 في أعقاب انقلاب 2016، كما أُزيل من أرفف المكتبات 135.000 كتابًا، وأُتلف 100.000 كتاب، وتم إحراق 30.000 كتاب، وأُغلقت 45 صحيفة يومية وأسبوعية، وتم إغلاق 39 دارا للطباعة والنشر، 15 مجلة شهرية ودورية، 23 محطة إذاعية، 16 قناة تلفزيونية.
اعتقالات لحيازة كتب كولن
عرض التقرير الذي أصدرته نسمات اليوم روايات مؤكدة لأشخاص قاموا بحرق كتبهم أو تمزيقها إلى أجزاء خشية اكتشاف السلطات لها، وكثير من أصحاب هذه الروايات تم اكتشافهم أثناء حرق الكتب وتعرضوا للاعتقال، ففي حي “كمال باشا” أحد أحياء “بورصا”، اعتقلت الشرطة رجلاً يبلغ من العمر 53 سنة، لمحاولة حرق عشرات من الكتب التي لها صلة بـ”كولن” في أرض فضاء في شهر أغسطس 2016.
كما ذكرت الصحافة التركية: أن أحد العمال المشتركين في جريدة “زمان” قرر التخلص من الكتب التي تهديها الجريدة لقرائها، لكن مسعاه فشل عندما اتصل أحد الجيران بالبلدية للإبلاغ عن وجود حريق في أرض فضاء، وعندما أدرك عمال البلدية أن الكتب المحروقة تنتمي إلى “كولن” قاموا بالاتصال بالشرطة، وبعد استجواب الشرطة لهذا الرجل واتهامه بالانتماء لحركة “كولن”، أطلقت سراحه حيث أكد أنه كان يحوز هذه الكتب لأنها كانت تصله مع الجريدة التي كان مشتركًا فيها ليس إلا.
الروايات التي رصدها التقرير هي نماذج فقط من بعض الحالات، وإن كان هناك مئات من حالات أخرى صودرت فيها كتب الفكر في عديد من مدن وبلدات تركيا، فقد بلغ خوف المواطنين من التعرض للاعتقال حدًّا جعلهم يلقون بمئات من الكتب في مواقع القمامة.
حرب الحكومة على الفن وتشويه الآثار
يؤكد التقرير أن حزب العدالة والتنمية قد استولى بشكل ممنهج على المسارح وهيئات فنية غربية أخرى، وحاول نفي فنانين يعملون في هذه الهيئات. ومنذ احتجاجات جيزي بارك، قطعت الحكومة التمويل عن عدد من المسارح ودور الأوبرا، وتراوغ في تجديد العقود السنوية للعازفين والمنتجين.
ويذكر التقرير كذلك أن سجل حكومة العدالة والتنمية في ترميم المعالم التاريخية مثل المساجد والمتاحف والكنائس والمعالم الأثرية الأخرى، هدفه في المقام الأول البحث عن الربح والدوافع التجارية، حيث يمنح نظام المحسوبية للشركات المرضي عنها مشروعات الترميم دون النظر إلى الفنيات، وأحيانًا التكلفة، مما يلقي بظلاله على تشويه تلك المواقع الأثرية وعدم الاهتمام بالشكل الأصلي لها. وقد ذكر التقرير العديد من المواقع الأثرية التي تم تشويهها.
ولمزيد من المعلومات حول التقرير، يمكن تحميل التقرير بالضغط على الرابط التالي: