لقد ازداد الاهتمام بالإسلام في مجالي الإعلام والسياسة بشكل ملحوظ خاصة في العقدين الأخيرين، وقد ساعدت بعض الأحداث التي لم تسلم من بعض مظاهر العنف أحيانًا على أن يأخذ الإسلام مكانه في الوعي الغربي.
وقبل الحديث عن هذه الأسباب لا بد من طرح بعض الأسئلة للنقاش:
- هل حضارة العصر بالفعل حضارة إنسانية وبالتالي تستحق التضحية من أجلها؟
- هل يخلو الإسلام حقًا من كل مقومات التقدم بالدرجة التي تجعل الإسلام نقيضاً للتقدم؟
- كيف نفسر عدم تغير التصور الخاطئ عن الإسلام في الغرب على الرغم من وجود كم هائل من المؤتمرات والكتب المتخصصة إضافة إلى الاحتكاك المباشر مع المسلمين إلى جانب النقاط المشتركة بين الحضارتين؟
- هل من العدل إرجاع كل مظاهر العنف الموجود في العالم الإسلامي إلى أسباب داخلية فقط، دون أدني تأثير أو تدخل من الخارج؟
هذه الأسئلة من شأنها أن تضع أيدينا على الصعوبات من ناحية، وتدفعنا إلى نقد ذاتي من ناحية أخرى، لأنه بدون ذلك لن تُجدي محاولات الوصول إلى فهم صحيح وتعاون مثمر وللإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من تقرير الاتي:
- إن العقيدة الإسلامية بسيطة ميسورة الفهم لكل البشر، ويمكن إثبات مبادئها بالعقل السليم، فهي خالية من النظريات المعقدة مثل تشخيص الإله في اليهودية والتثليث وعقدة الذنب الموروث في المسيحية.
- كما أن الإسلام دين التوحيد الخالص يشترط الإيمان المطلق بالله الواحد، إلى جانب إيمان المسلم بصدق نبوة كل الأنبياء الذين تلقوا الوحي الإلهي، مثل إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ثم خاتمهم محمد.
- إن الإسلام يلبي جميع جوانب الحياة الإنسانية المادية والعقلية والروحية بدرجة متوازنة، وقدم للإنسانية منهجًا متكاملاً للحياة يقوم على الترابط التام، بين الإيمان والعمل.
- كما أن تعاليم الإسلام لا تقتصر على الإرشادات النظرية، بل تدلنا على كيفية تطبيقها في الحياة العملية، ويظهر ذلك بوجه خاص في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية.
- حرص الإسلام على إيضاح أن كل عمل نافع هو في ذات الوقت عبادة يثاب عليها فاعلها في الدنيا والآخرة.
- لم يحارب الإسلام العلم قط، بل على العكس من ذلك، جعل تحصيل العلم فريضة على كل قادر، وقد كرم رسول الله العلماء، فوضعهم في المرتبة التالية للأنبياء، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “…العلماء ورثة الأنبياء” رواه البخاري.
- يقدم الإسلام للإنسان نظامًا اجتماعيًّا متكاملاً يضم في تنسيق تام المصالح العامة والخاصة الدينية والدنيوية، أي أنه يقدم النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي المثالي في منهج قرآني ميسر.
- يثبت الإسلام قدرته علي التعامل مع كل التطورات الاجتماعية عن طريق منهجه الفقهي المرن والمتعدد الوسائل حيث يضع العقل السليم في الموضع اللائق به، بصفته مناط التكليف في الإسلام، ويعتبر بعد القرآن الكريم والسنة النبوية الطريق الصحيح للأدلة الإضافية مثل الإجماع والقياس والاجتهاد، وغيرها من طرق استنباط الأحكام الشرعية المعتبرة في أصول الفقه الإسلامي، والتي تعتمد في أساسها علي العقل السليم الملتزم، ولا يقتصر الحق في استخدام هذه الأدلة الإضافة علي جيل أو طبقة اجتماعية معينة بل هي حق لكل مسلم مؤهل للاجتهاد.
نقاط الالتقاء بين الحضارتين
لابد من التأكيد على أن نقاط الالتقاء بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية قديمة قدم الحضارتين، فالإسلام لم يكن عدوًا للغرب ولا للحضارة الغربية لا في الماضي ولا في الحاضر، ثم إننا نحن المسلمين نري وجود أسس قوية لعلاقات ثنائية متبادلة بناءة بين التصور الإسلامي والحضارة الغربية الحديثة.
كما أن كل من الإسلام والحضارة الغربية يشجع البحث العلمي، إلا أن البحث العلمي ينبغي أن يظل في خدمة الإنسانية وأن ينظر بعين الاعتبار لكل ما يترتب عليه من نتائج بالنسبة لكل من الإنسان والبيئة.
إن كل من الإسلام والحضارة الغربية يحترم ويحمي الملكية الفردية، ويسعي إلى تحقيق استثمار اقتصادي إنساني، بشرط ألا يكون ذلك على حساب فئة معينة من البشر.
إن من نقاط الالتقاء أن الإسلام ومثله الحضارة الغربية، يؤيد ويحمي الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يصل إلى حد جرح الشعور الديني والأخلاقي للآخرين، وللإسلام تصور خاص للديمقراطية يقوم على مجلس للشوري، ويتكون هذا المجلس من وجهاء القبائل وعلماء الدولة، ولا تتخذ قرارات مصيرية دون الرجوع إلى هذا المجلس وأخذ موافقته عليها.
يتضمن مبدأ المساواة بين البشر في الإسلام تصورًا خاصًا لما يسمي بقضية المساواة بين الرجل والمرأة، فلا شك أن وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية لايزال في حاجة إلى مراجعة عادلة تعيد إلى المرأة ما سلب من حقوقها، إلا أن الوضع غير العادل لا يعود إلي أسباب دينية أو إصلاحية، بل إلى اسباب اجتماعية فقط نتجت عن نزعة استغلالية تقليدية أساءت فهم وتفسير بعض الآيات القرآنية والسنة النبوية الشريفة.
ويتناول التصور الإسلامي هذه القضية من منطلق العدل في توزيع الواجبات الاجتماعية حسبما يتفق مع طبيعة كل من الجنسين، ولا يضع المساواة التامة بين الجنسين هدفًا أسمي بغض النظر عن الفوارق الخلقية الطبيعية المختلفة فيما يخص الأصل المشترك.