الإيجابية ليست مجرد كلمة تقال، لكنها سلوك ومنهج يساهم في تنمية الأداء العقلي والجسدي الخاص بكل إنسان؛ فالإيجابي يملك الرضا ويجمع خيوط الفرح من أبسط الأحداث ولديه قائمة كبيرة من الأهداف التي يسعى لتحقيقها، كما أن إحساسه بما يدور حوله أعمق، وأفق تفكيره أوسع، ولديه العديد من المهارات والقدرات.. فالعقل الإيجابي يختزن قائمة من الاحتمالات والبدائل المتنوعة.
الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يقنع بتنفيذ التكليف، بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحًا وحيوية، تعطي للعمل تأثيره وفاعليته، دون أن يخالطه جفاف أو تبرم أو استثقال.
الإيجابية تعني أن يكون الفرد فيضًا من العطاء قويًا في البناء، ثابتًا حين تدلهم الخطوب، لا ييأس حين يقنط الناس، ولا يتراخى عن العمل حين يفتر العاملون، يصنع من الشمعة نورًا، ومن الحزن سرورًا، متفائل في حياته، شاكر في نعمائه، صابر في ضرائه، قانع بعطاء ربه له، مؤمن بأن لهذا الكون إلهًا قدر مقاديره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
على النقيض من الإيجابية هناك السلبية التي تكبل حياة البعض وتجعل الفرد يتجاهل الخيارات العديدة المتاحة في الحياة أمامه؛ فالسلبي شخص مصر على إغلاق العالم الخارجي من حوله، مبرمج لرد المشاعر وتفسير المواقف بسلبية وسوداوية مطلقة، يجعل قوائم أهدافه ضئيلة وأحلامه مغلفة بالخوف وعدم التأكد وفقدان الرضا، وقد يستهلك صحته بالغضب والسخط من الأحداث وظروف الحياة، مما يقف حائلاً بينه وبين ما يريد تحقيقه من أعمال، ومع الوقت يتحول لشخص غاضب ساخط مشلول التفكير كسول فاقد الهمة والشغف بالحياة.
هل نحتاج فعلًا إلى الإيجابية؟
يُحكى أنه فوق إحدى الجبال كان يعيش نسرًا قويًا شامخًا صانعًا عُشه بين حنايا الجبل، وكان يرعى ذلك النسر أربع بيضات وينتظر منهم أربع نسور جميلة، لكن حدث فجأة زلزال مدوي، فاهتز العُش، وسقطت منه إحدى تلك البيضات الأربعة ثم تدحرجت حتى وصلت إلى قن دجاج، فبلغ الظن إلى تلك الدجاجات أن عليها رعاية تلك البيضة، فتطوعت إحدى الدجاجات العجائز برعايتها.
وفعلاً بعد مرور وقت قصير خرج نسر جميل، لكن هذا النسر اعتقد أنه دجاجة، وعاش حياة الدجاج، وفي إحدى الأيام وهو يلعب في القن، رأي في السماء النسور تحلق عاليًا فتمنى أن يطير مثلهم، لكن قابلت الدجاجات ذلك التمني باستهزاء وهو استسلم لذلك حتى كبر ومات وهو مازال يعتقد بأنه دجاجة لا يستطيع الطيران.
وهكذا هي حياتنا، إن لم نملئها بالطاقة الايجابية، سوف نعيش بين الحُفر
الإيجابية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
إن الناظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يرى الإيجابية واضحة في كل معانيها، من يوم أن كان غلامًا يتيمًا إلى حين وفاته عليه الصلاة والسلام، وهكذا ربى أصحابه على معاني الإيجابية الفاعلة، حتى صار كل صحابي أمة وحده
لقد كان من النتائج المبهرة التي ورثتها هذه التربية النبوية، أن خرج القادة والخلفاء والوزراء والعلماء وخرج الجنود والمرابطون، يتسابقون في البذل والعطاء والتضحية والفداء، لعلمهم أن المرء يهيئ لنفسه مقعدًا في الجنة.
آثار الإيجابية على الفرد والمجتمع
آثار كثيرة هي التي يجنيها الفرد من الاتصاف بالإيجابية في الحياة الخاصة والعامـة، نذكر منها:
– راحة النفس وانشراح الصدر، حيث يحب لإخوانه ما يحبه لنفسه .
– القدرة على تحمل المشاق في سبيل الدعوة.
– استيعاب جميع طوائف الناس وإتقان سبل جذبهم إلى المنهج الحق.
– القدرة على ضبط النفس في الأقوال والأفعال.
– المعرفة الواسعة في مجال هندسة ردود الأفعال فلا ينساق وراء العواطف .
آثار الإيجابية في المجتمع .
– اتسام المجتمع بالتسامح والتصافي والخلو من الضغائن والأحقاد .
– انتشار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر.
– اجتماع الكلمة ووحدة الصف.
– الرفعة والمنعة والغلبة.
– استحقاق نصرة الله وتمكينه في الأرض.
الإيجابية فطرة كونية
ولأن الإيجابية فطرة أودعها الله كيان كل حي، حتى الحيوانات والطيور والحشرات، فإن غيابها يعني غياب الحياة نفسها. فتأمل معي إيجابية تلك النملة التي حكى عنها القرآن، قال تعالى:(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(النمل- ١٧) إن هذه النملة تستشعر أن لها دورًا مع جنسها من النمل، وتخشى أن يصيبهم مكروه وهي ترى أو تعلم فتسارع بنصحهم ليتجنبوا الخطر.
ما أروع هذه النملة الإيجابية التي حملت هم أمتها، وأدركت خطورة مسئوليتها تجاه مجتمعها، لم تقل: وما شأني؟ هل سأستطيع وحدي أن أنقذ أمة النمل من هذا الجيش الجرار؟ بل قامت صائحة معلنة لبني قومها: إنَّ الخطر قادم فأنقذوا أنفسكم، ولم تهرب عندما أحست بالخطر.
وتأمل هذا الموقف الرائع في إيجابية الهدهد، ذاك الطائر الصغير حجمه الكبير همه، العظيم في تفكيره، وذلك حين انفرد بعمل إيجابي أدخل أمة كاملة في الإسلام، وما كان لسليمان عليه السلام أن يعلم بذلك لولا حركة الهدهد التي قدرها الله جل جلاله. بكل تأكيد الإنسان أولى من الهدهد بالعمل الإيجابي والسعي وراء المصالح والبحث عن الخير.
المراجع والمصادر
– كتاب جدد حياتك، الغزالي.
– كتاب ” التفكير الإيجابي ” – ترجمة بتصرف.
– كتاب ” كن إيجابياً لكن واقعياً “.
– سلسلة الكتيب الشامل عن الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.
– الإنترنت.