من منّا نحن الآباء والأمهات لا يذكر أول كلمة قد نطقها طفله؟ وكم كنا نسعد ونضحك على تلعثمهم في الكلام.. وسرعان ما يكبرون ويضعون الكلمة بجوار الأخرى، ليثبتوا لنا تطورهم وقدرتهم على تكوين جملة مفهومة أو حتى غير مفهومة.. بعدها يبدأ يسألك عما يدور في خلده، لتجيبه عن أمر بات غامضًا بالنسبة له.
يبدأ الطفل بالأسئلة في نهاية سن الثانية حتى سن الخامسة، وتكون تلك الأسئلة ناجمة عن عدة دوافع كما يؤكد خبراء التربية، منها خوف الطفل ورغبته بالاطمئنان، أو رغبته بالمعرفة، أو لجذب انتباه والديه، أو حتى لسعادته أنه استطاع أن يتقن الكلام والفهم.. وغيرها من الأسباب.
وقد يُفاجأ الأبوان بسؤال محرج، أو استفسار يظنانه كبيرًا عن عقلية صغيرهم مطروح عليهما وهم مطالبان بالرد عليه.. ولعل أبرز هذه الأسئلة وأهمها هي الأسئلة العقائدية، مثل أين الله؟ ولماذا لا أراه؟ ومن خلق الله؟
وقد لا يجدان الإجابة المناسبة للرد عليه، فيقومان إما بإسكاته أو إعطائه معلومات خاطئة، ويطلبان من الطفل عدم تكرارها، وقتها قد يشعر الطفل بعدم الثقة بوالديه إذا ما اكتشف أنهما يكذبان عليه ويعطيانه معلومات خاطئة.. وقد يكون عرضة للقلق أو الخجل وزعزعة ثقته بنفسه، ومن ثم فإن كل تلك الأساليب بلا شك خاطئة.
ضروري قبل الرد على الأسئلة
قبل عرض بعض من نماذج الردود العملية للأسئلة المحرجة التي قد يطرحها الطفل على والديه، والتي قامت بتنفيذها بعض الأمهات، يجب أولاً عرض الطرق المناسبة للإجابة على أسئلة الأطفال.
إن الرد على تساؤلات الأطفال، يجب أن يتصف بالصحة والدقة والوضوح والإقناع، فلا نقدم للطفل إجابة خاطئة أو غامضة أو غير مقنعة، وهذا لا يعني أن نطيل في الإجابة، بل نقدمها بشكل مناسب بين الإيجاز والإطالة، ولا بد أن تلائم عمر الطفل؛ فالإجابة على أسئلة ابن السادسة، يجب أن تكون أقصر من الإجابة على أسئلة ابن العاشرة وهكذا، هذا في الأسئلة التي يحتاج الجواب فيها إلى إفاضة وتوسع وتقديم أدلة وبراهين كما في الأسئلة عن الغيبيات، والأسئلة الحرجة، أما بعض الأسئلة فتكون الإجابة عليها محدودة وثابتة، حيث تقدم لأعمار الأطفال جميعها واحدة، كسؤال: كم عدد ركعات الفرض في صلاة الظهر؟ فالإجابة بوضوح: أربع ركعات.
وقد أصبح من الضروري مواكبة روح العصر، واستخدام خامات من البيئة في أدوات الطفل وألعابه، بحيث يتيح له الفهم والتعلم بشكل عملي. فالتجارب العملية تعلق بسرعة في أذهان الأطفال وتقنعهم بشكل أسرع.
وعلى الأم خاصة -لكثرة تحاورها مع صغيرها- أن تكون حريصة على إفهام طفلها مبكرًا أن الله هو من خلقه وأن الله يحب الأطفال كثيرًا وأنه أعطاه “بابا وماما”، وأعطاه أيضًا الكثير من النعم.. ولا بد أن يسمع ويردد كلمات، مثل “الحمد لله” بعد تناول الطعام أو حتى إذا أُصيب بمكروه كأن يقع على الأرض، ليفهم أننا يجب أن نشكر الله فهو الذي رزقنا، وأن نشكره على أي حال.. ولكن ماذا لو سألك طفلك أين الله؟
أين الله؟
إذا سألك طفلك أين الله؟ ببساطة نجيب عليه بأن الله موجود في السماء، ونشرح له أنه عندما ندعو ربنا ونحن في الصلاة مثلاً، نرفع أيدينا إلى السماء.. فالله هو العظيم، لأنه خلق لنا الأنهار والبحار والطيور والحيوانات، وخلق لنا السماء والشمس والقمر، لهذا لا بد أن يكون في مكان مميز ومرتفع، فهو في السماء.. والله عز وجل يراقب تصرفاتنا وكل أعمالنا ويراها، ولا نستطيع أن نختبئ منه أبدًا.
لماذا لا نرى الله؟
قد يتطور تفكير وأسئلة الطفل ليسألك: لماذا لا نرى الله؟ للرد على هذا السؤال هناك عدة إجابات عملية فيها بعض من المرح والتجربة التي تسهل على طفلك فهم هذا الموضوع منها:
1- قصة سيدنا موسى ورؤية الله:
من الممكن أن نحكي للطفل قصة حديث سيدنا موسى مع الله تعالى، وذلك بنوع من التبسيط وليس التشبيه، فنقول له مثلاً: هل تستطيع أن تنظر إلى الشمس بدون نظارة شمسية؟ سيجيب لا.. هكذا نور الله أقوى وأكثر سطوعًا، فإذا كان نور الشمس بهذه القوة، فما بالك بنور الله الذي خلق لنا الشمس؟!
والدليل على أننا لن نستطيع رؤية الله تعالى، هو أنه لما أراد سيدنا موسى رؤية الله، وأمره بالنظر إلى الجبل، ولما نظر سيدنا موسى للجبل، وجده قد انهار على الأرض (خرّ).. فالجبل لم يتحمل نور الله، لهذا إذا أردنا أن ندخل الجنة ونرى الله ، علينا الإكثار من الأعمال الصالحة ليرضى الله عنا.
2- تجربة سطح العمارة:
من الممكن أن نعمل هذه التجربة البسيطة مع أطفالنا، لنرد على سؤالهم كيف يرانا الله ونحن لا نراه.
إن الله أعلى منّا بكثير، فهو في السماء، لذلك فهو يرانا كلنا في وقت واحد. ومن المفيد اصطحاب الطفل إلى سطح العمارة التي يسكن فيها، ثم نسأله هل ترى الناس جميعا؟ سيقول نعم.. هذا يعني أنك تراهم جميعًا في وقت واحد؟ سيجيب نعم.. فلله المثل الأعلى، فالله تعالى يرى كل الناس وهو في السماء ويراقب تصرفاتهم، وهم لا يرونه.
3- تجربة الهواء:
إن إجراء هذه التجربة البسيطة، تجعل طفلك يفهم أنه ليس من الضروري أن يرى الله ليصدق بوجوده. لنبدأ بالتجربة:
الأم: هل تشعر بالهواء؟
الطفل: نعم أشعر به.
الأم: هل ترى الهواء؟
الطفل: لا.
الأم: هل تستطيع الإمساك بالهواء؟
الطفال: لا.
الأم: إذن أنت صدَّّقت بوجود الهواء على الرغم من أنك لم تره ولم تتمكن من الإمساك به.
وكذلك قد تتأكد من أن شخصًا ما، قد نشر العطر في مكان قريب منك لمجرد أنك شممت رائحة جميلة رغم عدم رؤيتك لهذا الشخص. ولله المثل الأعلى..فلا بد أن نتأكد من وجود الله على الرغم من كوننا لا نستطيع رؤيته.
كما يمكن أن نسأل الطفل: هل من الممكن أن ترى النوم؟ مؤكد لا.. فالنوم يدخل أعيننا ولا نراه، وكذلك الأفكار تكون داخل أدمغتنا ولا نستطيع أن نمسكها ولا نراها.. هذا يعني أنه ليس من الضروري أن ترى بعض الأشياء حتى تصدق بوجودها. فآثار نعم الله حولنا دليل على وجوده.
4- تجربة الضرب:
استكمالاً للرد على أطفالنا بشكل عملي ومبسط على سؤالهم لماذا لا نرى الله؟ من الممكن أن نجري أيضًا هذه التجربة:
اطلبي من طفلك أن يمد يده، ثم اضربيه على يده واسأليه بماذا تشعر؟
سيجاوب بالألم.. بعدها اطلبي منه أن يمسك بالألم حتى تتأكدي أنه يتألم، قد يشير لموضع الألم، وقتها من الممكن أن تفهميه أنك تريدين الألم نفسه وليس مكانه، سيقول أنه لا يستطيع الإمساك بالوجع أو الألم، هنا نتوصل معه أنه شعر بالألم وأحس بوجوده رغم أنه لم يستطع مسكه أو رؤيته، فقط رأى آثار الضرب وتأكد بوجوده، ولله المثل الأعلى.. فنحن نرى آثار خلق الله ونعمه دون أن نراه سبحانه وتعالى، فآثار نعمه دليل على أن للكون خالقًا عظيمًا صفاته ليست مثلنا نحن البشر، فلا يمكن رؤيته.
5- تجربة الظلام:
في هذه التجربة نحتاج أن نقف مع الطفل في أي مكان مظلم، ثم نسأله هل ترى شيئًا؟
سيجيب: لا.
الأم: على الرغم من أن وظيفة العين هي الرؤية، إلا أنها أحيانًا لا تتمكن من رؤية كل الأشياء، هكذا أعيننا تعجز عن رؤية الذات الإلهية، لكنها تستطيع أن ترى مخلوقات الله من جبال وبحار وحيوانات وغيرها.
من هنا نستخلص أن للكون ربًّا وخالقًا، يقدر على فعل كل شيء، فهو خالق وليس مخلوق، فصفاته مختلفة عن صفات البشر، وهو سبحانه متعال ولا يفنى.
ومن الضروري جدًّا عند سؤال الطفل من خلق الله، أن نلفت انتباهه إلى عدم التركيز في شكل الذات الإلهية، بل يجب التركيز على مخلوقات الله التي من حولنا في كل مكان و التي تثبت مدى عظمته.
ويبقي التأكيد على أهمية استيعاب أسئلة الطفل مهما كانت، وليس عيبًا على الوالدين أو أحدهما أن يُفهمان الطفل أنهما سيبحثان عن الإجابة، ومن ثم يمكن أن نمهله إلى وقت آخر للإجابة على سؤاله، ويجب الحرص على إجابته ولو بعد حين؛ حفاظًا على توازنه النفسي وتنمية لثقته بنفسه.