علينا أن نجعل أطفالنا يكبرون في نظر أنفسهم، وفي نظرنا ونظر الآخرين وأمام أقرانهم، ولكن دون محاباة أو إلغاء لأهمية الآخرين أو الحط من قدرهم، فقط من أجل أن نظهر تفوق لأبنائنا ونرفع من شأنهم، فمثل هذا السلوك يحدث نتائج عكسية بصحتهم النفسية، وبجانب ذلك يجب ألا نفرض رجولتنا وإراداتنا على أطفالنا في الوقت الذي نفشل فيه عن مواجهة المجتمع، فينعكس ذلك عليهم وكأننا نثأر منهم. وفي ذات المنحى لا يجب على الأمهات ممارسة القسوة والتعذيب على أبنائهن كرد فعل لمعاملة أزواجهن القاسية لهنّ.
دور الأب في تربية الطفل:
الإنصات الحقيقي إلى الطفل هو أداة شديدة القيمة والفائدة لفهم مشاعر الطفل
عندما يكبر الطفل فإن دور الأب يتحول إلى تقديم النصح والمشورة بعيدًا عن الإكراه والإجبار، ولا يرفع واجب طاعته سيفًا مسلطًا على رقبة ابنه، وعليه ألا يدفعه إلى العصيان بالتعنت والتسلط، فيصلوا إلي مرحلة من عدم التواصل الروحي والنفسي..، والقرآن الكريم علمنا كيفية التعامل مع أطفالنا على أساس من التحاور وبيان حقائق الأمور كما ورد في قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام عندما تلقى أمرًا إلهيًّا بذبحه، كما علمنا حسن تربية الأبناء واحترام أقوالهم وآرائهم والإصغاء إلى أحلامهم كما جاء في قصة يوسف وحلمه الذي رآه في المنام وقصه على أبيه يعقوب عليهما السلام، كما يحدثنا القرآن الكريم عن الحوار بين موسى وفتاه، وتشاوره معه، ومشاركته في خط رحلته وبرنامج مهمته كما ورد في سورة الكهف، ويحدثنا القرآن عن أصول التربية التي تدل على تبادل الرأي، واحترام وجهات نظر الأبناء، وذلك في الحوار الذي جرى بين نبي الله شعيب وأبنتيه بعد أن سقا لهما نبي الله موسى عليه السلام.
عندما يكبر الطفل فإن دور الأب يتحول إلى تقديم النصح والمشورة بعيدًا عن الإكراه والإجبار
وعموما فإن احترام آراء الأطفال لا يتنافى مع مبدأ الحزم في التربية، فالحزم المبني على المحبة وغرس محبة الآخرين في نفوس الصغار، ويعّودهم الطاعة وأداء الواجبات بدوافع ذاتية، وبتوازن عقلي ونفسي. واحترام عقول الأطفال وأفكارهم تتجلى فيما نعرض عليهم من وسائل الفن والأدب، فلا نستخف بعقولهم وقدرتهم على الفهم، لا نقدم لهم مواد سطحية أو مبتذلة باعتبارها “كوميديا ” تستهدف تسليتهم وإثارة مشاعر الفرح في دواخلهم، وإذا صنعنا هذا فيجب أن يكون هذا مرتبطًا بقيم وأفكار تبعث على التفكير وتبني منهج النقد والتحليل، لنكون لديهم رؤية عقلية في النظر إلى كل الأمور.
ولا ننسى عملية الإنصات إلى أطفالنا، فالإنصات الحقيقي هو أداة شديدة القيمة والفائدة لفهم مشاعر الطفل ولهذا فإنه يتوجب على الوالدين أن يوفرا لأولادهم الإطار أو الجلسة التي تسمح لهم بالفضفضة، وبالتعبير عن اهتماماتهم وهمومهم، وطرح تساؤلاتهم مهما كانت صغيرة أو كبيرة، كلما سمحت الظروف، ولو استطاع الوالد أن يكسب ثقة طفله وهو بعد في صغره ومراحله الأولى، فإن هذا يجعل من التواصل أمرًا سهلاً في المستقبل.
وليتيقن كل والد أنه لا حاجة للعجلة في اتخاذ القرار أو إسداء النصح لأنه دائمًا وأبدًا يوجد الوقت المناسب والكاف للتصحيح والتعليم ولإعادة تقييم الخبرة والمشاعر. يقول والد حكيم: “خصص وقتا تستمع فيه لابنك حتى يشعر بأهميته وليزداد ثقة بك وليكون عنده الاستعداد ليشركك فيما يدور في ذهنه”.