مبدئيا لا نفكر في أن نغير من منهجنا ورؤانا. نحن آمنا بأن ما نفعله هو خدمة في صالح الإنسانية. ونؤمن أن ما نقوم به بالغ الأهمية سواء من أجل آخرتنا أو من أجل سعادة واستقرار العالم في المستقبل، من خلال العمل على التقاء الناس ببعضهم، والعيش معا في تناغم ووئام. وقد رأينا ذلك التناغم في أولمبياد الثقافة واللغات التي كانت تنظمها مدارس الخدمة، فالأجيال الصاعدة من قاع المجتمع الإنساني تسير في اتجاه تحقيق أخوة كهذه.
مبدئيا لا نفكر في تغيير منهجنا ورؤانا. نحن آمنا بأن ما نفعله خدمة في صالح الإنسانية.
المثابرة مع المراجعة
فبعد اطلاعنا على مثل هذه النتائج الناجحة لا ينبغي الارتياب فيها والتراجع عنها أو مساءلة جدواها. ولكن قد يصاب البعض بلوثة الحسد كما حصل ذلك في تركيا، فيدفعه ذلك للتصدي لهذه الخدمات، ومحاولة القضاء عليها؛ لذلك ربما يُستحسن مراجعة الاستراتيجية مرة أخرى، ولكن مع المثابرة على النهج نفسه. بمعنى، هل هناك ما يمكن فعله حتى لا نثير الحسد والغيرة إزاء هذه الخدمة الإنسانية لدى البعض؟
هل من سبيل يجنّبنا تحريك مثل هذه المشاعر القاتلة لدى هؤلاء؟ يمكن التفكير في مثل هذه القضايا، وتضمين نتائجها وخلاصاتها في إستراتيجيات العمل، مع مواصلة السير قدما وعدم التراجع، بل برأيي ينبغي تسريع وتيرة العمل على هذا الدرب الإنساني النبيل.
ثم نحن أناس نؤمن بالله تعالى. لقد منّ الله علينا بإمكانات عظيمة وفتح لنا أبوابا واسعة، ربما نحن فشلنا في استثمارها مئة بالمئة، لذلك أراد الله أن ينبهنا بلطمة رحمة منه سبحانه، بمثابة شدّ أذن أو صفعة خفيفة على العنق، بمعنى “احذروا وأجيدوا، وزّعوا جميع النعم التي منّ الله بها عليكم على الإنسانية، ولا تبقوا شيئا منها في أيدكم، عانقوا الناس بمحبة غامرة كيونس أمره. لا ترفعوا يدا في وجه من ضربكم، أمسكوا لسانكم إزاء من شتمكم، ولا تحنقوا على أحد مهما أساء إليكم. افعلوا كما فعل المسيح عليه السلام. ليس البر أن تحسن إلى من أحسن إليك، إنما البر أن تحسن إلى من أساء إليك. كونوا كذلك”.
بعد اطلاعنا على نتائج ناجحة لا ينبغي الارتياب في مشاريع الخدمة والتراجع عنها أو مساءلة جدواها.
لطمات رحمة
ما تَعرّضنا له من مظالم قد تكون لطمات تنبيه من الحق تعالى إزاء مثل هذه الهفوات، لذلك بالتأكيد نحن سنراجع أنفسنا، سنراجع أفكارنا وتصرفاتنا مرة أخرى، ونحاول بإذن الله أن نعلي من أدائنا ونستكمل ما تركناه ناقصا. أما التراجع عن الرؤية الأصل فلا نعرف بديلا سواها. فهذا هو سبيلنا نسير عليه ولا نلتفت إلى شيء آخر، بل نقول كما قال الشاعر في مناجاته للحق تعالى: “جفاء جاء من جلالك أو وفاء من جمالك، كلاهما صفاء للروح” ثم نواصل السير في طريقنا.
صحة الطريق
المهم أن تؤمن بسلامة الطريق. فإذا غيرت طريقك لأنك تتعرض لبعض الضغوط أو المضايقات من هنا أو هناك، فهذا يعني –بقناعتي المتواضعة- أنك في شك من صحة الطريق الذي تسير فيه. إذا لم يكن عندكم شك من طريقكم فينبغي أن تثبتوا عليه. انظروا إلى الأنبياء العظام، سيدنا موسى وعيسى والحبيب المصطفى (ص)، بل حتى رموز الديانات الأخرى مثل بوذا وبراهمان، تجدون أيضا أنهم تعرضوا لألوان شتى من الإساءة والإيذاء، قد يعتزلون الناس حينا من الوقت، لكنهم لا يحيدون عن منهجهم جراء تلك الممارسات والمضايقات.
إن جاءكم أحد، وطرق باب قلبكم فلا ينبغي أن يساوره قلق من ألا يجد مكانا فيه، ينبغي أن تخصصوا مكانا في قلوبكم لكل أحد.
نردد مع الشاعر الوطني محمد عاكف قوله: “بالله استعن، وبالسعي الجاد التزم. احرص على الحكمة، فهذا هو الدرب، ولا درب آخر للخلاص” ونواصل السير على طريق المحبة، طريق الاحتضان، طريق المعانقة، طريق فتح القلوب للجميع، هذه أفكارنا التي لن نتخلى عنها أبدا مهما كان. إن جاءكم أحد، وطرق باب قلبكم فلا ينبغي أن يساوره قلق من ألا يجد مكانا فيه، ينبغي أن تخصصوا مكانا في قلوبكم لكل أحد. هذه هي فلسفتنا، ولا تراجع عنها البتّة.
المصدر: مواقف في زمن المحنة، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر