وازدانت السماء بنجومها مسبحات لمعبودها في سرعة الدوران والجري نحو المستقر، وانسحب على الأرض ظلمة تَتَخفى فيها الأسرارُ ولدى البعض تنجلي الأنوار.
وفي مرصد علوي وقفت الملائكة بتلهف تنظر وترصد نجوم الأرض المسبحات الدائرت في فلك رب الأفلاك، المتقلبات بين سر ركوع وسجود تئن وتدعو، تقدس المعبود تقول “ما عبدناك حق عبادتك يا معبود وتنهمر الدموع من تلك العيون”، وفي تلك الأثناء ارتعدت جنهم وخافت وارتجفت وقالت: “من تلك الدموع أخاف أن تُطفئ ناري، الأمان الأمان، ياليت أصحاب هذه الدموع لا يمرون من فوقي لكي لا تخبو ناري”.
تستمتع الملائكة من ذلك المشهد، تشعر بالحبور والسرور لنجوم الأرض الساجدات وتقول،: “بلى؛ وحق لله لقد صدق الحكيم في حكمه بخلقه الإنسان وتعليمه إياه البيان”. وتنطق ألسنتها العلوية مسبحات فتقول: “سبحان الملك المعبود فيتردد صدى ذلك الصوت في أنحاء المجرات والعوالم العلويات”.
لازلت نجوم الليل ساجدات تعرفها كائنات الليل تراهم وتنظرهم لتكتحلً أعينها بمشاهدتهم.
والبوم واقفة تدير رأسها من اليمين إلي اليسار بدهشة، وانبهار تراهم يئنون ويبكون ويضرعون، فتريد ايناسَهم في ظلمة الليل البهيم، تنعب بمواساتهم وتسبح فكأنها تقول: “هو هو”، ثم تنشغل عنهم وهم في سجودهم منشغلون.
إشعاع أنوارهم تراها الكائنات العلويات من ملائكة وروحانيات، فتتأثر بهم أشد ما يكون، فمنهم من يخر ساجدًا محاكاة لهم ومنهم من يردد دعواتهم ومنهم من عزم على الحج إلى البيت المعمور ليستغفر لهم ويذكر اسمهم هناك.
تري الجن شيئًا يجول في السماوات تنصت وتستمع للأخبار فيقرروا الإقتراب من تلكم الأنوار فإذا نجوم الأرض ساجدات وعبراتها كشلال ماء، في دهشة يقتربو منهم وعيونهم فزعة فمنهم من لا يستطيع أن يفهم ومنهم من يجري إلى المدينة مسلمًا مسَلِمًا أمره لله.
يأتي الخبر لابليس فيغضب أشد الغضب ثم ينصرف فيبكي أشد البكاء علي عصيانه وعلي ما حوّى قلبه من كبرياء، ولكن يصر على العصيان والإنتقام، يريد إطفاء النجوم المسبحات لكن هيهات هيهات، فالله مطلع على العباد ومانع لأي آذى قد يصيب المخلصين من جهة الأرض أو السماوات.
ينظر إليهم الله في علاه فيغفر لهم ويمن عليهم بالقرب ويهديهم لأحسن الطرق إليه ويجلي عن أبصارهم الحجب حتي تظهر حقائق الأشياء فلا ينخدعو، فتراهم يقولون: “وكل ما فوق التراب تراب”. وتسمعهم يذكرون الله فيهمسون:
لا تلزمني العوالم ولا أريد سواك
ولا أبغي إلا نظرة من جمال علاك