ذكرت بعض الدراسات الحديثة أن أكثر من ربع سكان المعمورة، في اتصال دائم على شبكة الإنترنت، مؤكدة أن هذه الشبكة استطاعت الولوج في كل مجالات الحياة، وأصبحت تشغل حياة الناس بشكل متزايد حتى جعلتهم “إنترنتيِّين”، كما لفتت أن كوريا الجنوبية هي الأكثر اتصالاً بالإنترنت في عالم اليوم. أُطلقت أول صفحة إنترنت في العالم في 6 أغسطس 1991، ثم تسارعت وتيرة التطور حتى وصل عدد الصفحات في عام 2016 إلى أزيد من ست ملايين صفحة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا الرقم ليس دقيقًا بالنسبة للتطور التكنولوجي المستمر في مجال الإنترنيت. وفي غضون عشرين عامًا مضت توسعت أفاقه وأهدافه، حيث استهدف في بداياته فضاء يستثمره الفرد في التعبير عن رأيه ومن ثم توطيد الديموقراطية في بلده وفي العالم أجمع.
ذكرت بعض الدراسات الحديثة أن أكثر من ربع سكان المعمورة، في اتصال دائم على شبكة الإنترنت، مؤكدة أن هذه الشبكة استطاعت الولوج في كل مجالات الحياة.
الإنترنت في عالمنا
أشار البروفيسور “أليكس كروتوسكي” (Aleks Krotoski) -في سلسلة وثائقية عرضتْها قناة BBC- إلى التطور الذي شهدتها شبكة الإنترنت وانتشارها السريع الذي عمَّ العالم كله، ثم إلى التأثير الكبير والعميق في حياة الإنسان اليومية، كما أشار السيد “تيم بيرنرزلي” مخترع شبكة الإنترنت، ومؤسسو مواقع “فيس بوك” “وتويتر” و”أمازون” و”آبل” و”ميكروسوفت”، إلى التباين الكبير بين الغرض الأساسي الذي من أجله اختُرعت شبكة الإنترنت، والحال التي آلت إليه اليوم؛ حيث كان الغرض من اختراعها هو الإسهام في تعزيز فكرة الديموقراطية ودعم الجماهير العريضة ضد السلطات القمعية، وتهيئة جو يمنح للفرد فرصة التعبير عن رأيه والإبداء عن أفكاره بحرية كاملة.
ولكن مع تقدُّم الزمان تحول الإنترنت إلى فضاءِ استثمارٍ تجاري تسعى الشركات الكبيرة من خلاله إلى تنمية رؤوس أموالها وتضخيم حجمها -مثل جوجل وأمازون- الأمر الذي استغلّته بعض السلطات وحوَّلته إلى فرص تمكَّنت خلالها من التحكُّم بالمحتوى أو من الحظر للصفحات وقمعها، ولعل هذا يبيِّن بجلاء ابتعاد فضاء الإنترنت من الغاية المرجوة له عند أول اختراعه. هذا وقد نوَّه البروفيسور “كروتوسكي” بمقولة “سعداءُ لكننا مخدوعون” لـ”سيث جولدستين”، مؤكدًا أنها وثيقة الصلة بالواقع الذي نعيشه في فضاء الإنترنت الفسيح، من حيث الكمّ الهائل من البيانات الشخصية والبصمات الإلكترونية التي نُدخلها هذا العالم دون الوعي بخطورتها.
الإدمان على الإنترنت
لا شك أن شبكة الإنترنت أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، حتى إننا لا نكاد نتصور الحياة بدونها.. دخلت بيوتنا وشركاتنا ومؤسساتنا، فشاركناها معلوماتنا الشخصية وتصرفاتنا اليومية وعاداتنا الاجتماعية .. وهذا بطبيعة الحال جعلنا فرصة ذهبية لشركات الدعاية والإعلان؛ حيث تقوم هذه الشركات بدراسات حول أكثر الأشياء بحثًا على صفحات الإنترنت لتعلم سلوكياتنا اليومية، ثم تبدأ في عرض المنتجات والسلع التي لم نكن نعرف أننا بحاجة إليها، وهذا ما يسميه البعض بـ ” الاستهداف السلوكي”.
لا شك أن شبكة الإنترنت أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، حتى إننا لا نكاد نتصور الحياة بدونها..
والجدير بالذكر أننا نجهل كيفية الاستفادة والانتفاع بهذا الكم الضخم من البصمات الإلكترونية حتى اليوم، ورغم ذلك – وبطريقة تلقائية – نشارك العالَمَ أدق وأهمّ التفاصيل والمعلومات المتعلقة بنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك، والمدونات؛ إذ كثير منا يستخدم اسمه الحقيقي، وتاريخ ميلاده، ومحل إقامته، وحالته الاجتماعية إلى غير ذلك من المعلومات المهمة عن الشخصية، ولكن دون إدراك بمدى الخطورة المترتبة على هذا الانفتاح .
تأثير الإنترنت على التفكير
هناك باحثون وخبراء يشيرون إلى أن الإنترنت غيَّر من طريقة التفكير لدى الإنسان، ويرجِعون سبب ذلك إلى موجة المعلومات التي تتدفق علينا وتتجدد كل حين على شبكة الإنترنت، الأمر الذي يُفقد القدرة على العمق بشيء واحد والتركيز عليه فترة طويلة؛ إذ يتشتت العقل ويبدأ المستخدِم بالنقر على الروابط والوصلات الموجودة على الصفحة، ويُبحر في فضاء لا تخوم له، وبذلك يكون الإنترنت هيمن على المستخدِم وغير طريقته في التفكير.
إذن، تأثير الإنترنت على حياتنا واضح وضوح الشمس .. ولا يخفى على أحد أنه (الإنترنت) أدخل إلى الحياة الحديثة جملة من التفاعلات، انعكست آثارها بشكل واسع على الفرد والأسرة والمجتمع، فظهرت أنماط جديدة في السلـوكيـات والقيم الاجتماعية. ولكن هل كانت هذه الانعكاسات في القيم والسلوكيات ضارة أم نافعة؟ لا شك أن الإنترنت -كغيره من الاختراعات – إذا أُحسن استخدامه كان عاملاًفاعلاًفي نمو وتطور الفرد والمجتمعات قيميًّا وسلوكيًّا، وأمّا إذا أُسيء استخدامه كان العكس.
ونكتفي هنا بالإشارة إلى مصطلح “الإنترنتيّن” الذي ذكرناه في بداية المقال، قاصدين منه ” الإدمان على الإنترنت”.. ومما لا شك فيه أن الإدمان هو بوابة الأضرار، ولقد أشارت الدراسات إلى أن الإدمان على الإنترنت يؤدي إلى مشاكل خطيرة في العلاقات الاجتماعية، ولا سيما في العلاقات الأسرية، مؤكدة أن هذه الحال عند البعض تصل إلى إهمال أنفسهم وأطفالهم أو أفراد أسرتهم، وهذا سيُحدِث – بطبيعة الحال – انفكاكًا في الدعائم التواصلية.
ونختم بمقولة “إيميلي بيل ” مخرجة المحتوى الإلكتروني لصحيفة جارديان الإخبارية، حيث تقول: “استشراف فضاء الإنترنت على المدى القريب عمل صعب للغاية، وأما السؤال عن وضع الإنترنت وحال الناس خلال الأربعين سنة القادمة فأمر يتعذر تخمينه”.
(*) كاتبة وباحثة من سراييفو. الترجمة عن الإنكليزية : أكرم محمد .