تحيط بنا الورود هذه الأيام في كل مكان، في الطريق ومكاتب العمل والبيت والمطعم وحتى في الصحف والمجلات. والتوقف عندها للحظات قد يجلب الكثير من التفاؤل الذي نحتاجه لتغيير علاقتنا ونظرتنا للحياة.
هل تأملت يومًا كيف تنبت تلك الأزهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من قلب تراب أسود فاحم موحل بألوان زاهية؟
هل فكّرت يومًا بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عالية الجودة، وبأن هذه الفاكهة – كالموز والبطيخ والبرتقال مثلاً- مرتبة في داخلها بطريقة تحفظ طعمها وشذاها؟
من منا لا يحب الورود أو الأزهار ذلك العالم المليء بالجمال والذي يبعث على الراحة بالنسبة للنساء والرجال وهو دومًا رمز الصفاء، إن الوردة التي تطويها في يديك قد تروي لك من الأسرار ما تمتلئ به آفاق الأرض وأبراج الشموس والأقمار، فإذا أخذتها بين إصبعيك فلا تفركها قبل أن تقرأ هذا المقال، عندها فإنك لن تستطيع أن تفركها بل ستعاملها معاملة أخري. فالوردة كائن حي ينبض ويشع بالجمال، والنظر إليها والتعمق في تأملها لمدة دقيقة واحدة على الأقل في اليوم هو غوص في عمق المعاني الرائعة.
لا تقتصر فائدة الزهور والأعشاب على التمتع بمنظرها ورائحتها فحسب بل تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير
الزهرة وفن التأمل
كثيرون لا يدركون متعة التواصل مع الأشياء من حولهم والعيش معها ومنحها المساحة المطلوبة في وجودنا. ولا يعرف البعض روعة وفن بناء العلاقات ليس مع الأشخاص فقط وإنما مع الموجودات الصغيرة التي قد لا نلتفت إليها على الرغم من أهميتها الجمالية الكبيرة.
ومن بين هذه الموجودات الوردة التي يهملها الأكثرية ولا يصلون إلى سبر جمالها الحقيقي العالي. وهؤلاء قد تجدهم يوماً يحملون باقة من الورد ولكن بشكل رمزي جاف وفي مناسبات معينة مثل زيارة مريض في المستشفى وغير ذلك.
الشعراء أكثر من تحدثوا عن الوردة وغنوا لها. كتب الشاعر “أمل دنقل” على فراش الموت واحدة من أروع قصائده عن الورود التي يهدونها له في المستشفى حيث وصفها وهي تتحدث له (بعد رحيل الزوار) عن قصة موتها وقطفها من الخميلة. ونستطيع من خلال جمع مقاطع للشعراء عن الورد أن نكوّن منظومة جمالية تزيد من علاقتنا بهذه الكائنات الحميمة جدًا. وتجعلنا قادرين على التواصل معها من وجوه عدة.
هناك بشر اعتادوا على تأمل الوردة كل صباح ليكملوا بعدها رحلة النجاح والإبداع. فالكاتب العالمي “غابريل غارسيا ماركيز” كان لا يستطيع الكتابة إلا إذا وضعت له زوجته على الطاولة زهورًا صفراء كل صباح. وفي إحدى المرات جلس “ماركيز” كالعادة على طاولة الكتابة لكن ذهنه ظل مشتتًا وبدأ يكتب عبارات ركيكة واضطر أن يمزق الورق عدة مرات. وحين فتش عن السبب اكتشف أن زوجته نسيت في ذلك اليوم أن تضع له الزهور كالمعتاد.
نعم تعلم فن “تأمل الوردة”، تأمل برعم وردة يانعة متفتحة وبراقة يمتد جذرها عميقًا في الأرض وبرعمها طالع باتجاه السماء، وأثناء التأمل تخيل وراقب لونها وتفتحها ونوعها، قل لقلبك أن يقلدها، أن يشع بألوان المسرّة وأن يزدهي بالطيبة.
تعد الأزهار والنباتات الطبيعية أفضل خيار نزين به منازلنا ونجدد به أنفسنا إضافة لما تغمرنا به من طاقة شفائية طبيعية.
كيف تتكون ألوان الزهور؟
السر في ذلك يرجع إلى احتواء كل زهرة على مكون يعرف باسم “البلاستيدات” الملونة، وهي عبارة عن عضيات “بروتوبلازمية” منغمسة في غلاف من مادة السيتوبلازم، وتحتوي هذه “البلاستيدات” على ثلاث مركبات رئيسية كل منها مسئول عن إفراز لون محدد، فنجد “الكاروتين” مخول بإنتاج اللونين البرتقالي والأحمر أما الأصفر فهو لمركب “الزانثوفيل” و”الفايكوسيانين” منتج للأزرق، ونتيجة لاختلاف نسب إنتاج هذه المواد تتكون ألوان الزهور المميزة.
فوائد الزهور النفسية والصحية
لا تقتصر فائدة الزهور والأعشاب على التمتع بمنظرها ورائحتها فحسب بل تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فلقد استخدمت منذ مئات السنين كعلاجات فريدة للروح والجسد. وبينما توجد علاجات عديدة تستخرج من الأزهار لتحسين حالة المرء النفسية ورفع معنوياته، توجد أخرى تستخرج من الأعشاب لمساعدة المرء من الناحية الجسدية.
تعد الأزهار والنباتات الطبيعية أفضل خيار نزين به منازلنا ونجدد به أنفسنا إضافة لما تغمرنا به من طاقة شفائية طبيعية، فبوجود النباتات تزداد نسبة الأوكسجين في البيت وتتعزز فيه الذبذبات والطاقات الإيجابية الجميلة فضلاً عن كون النباتات تنقي هواء بيتنا من السموم والتلوث والكيماويات، من هنا جاءت العادة التقليدية بإهداء الزهور للمرضى لسحب الطاقات السلبية وامتصاصها من حولهم.
كما تؤثر الأزهار بشكل إيجابي رائع على الحالة النفسية والجسدية للمرء، لذلك تعتبر باقة الورد أجمل هدية صحية لأنّ الألوان الزاهية تعطي إشارة السعادة للدماغ وبالتالي تظهر علامات السعادة والفرح… فالأصفر منها يحفز النشاط العقلي ويقوي الذاكرة بينما يساعد “الليلكي” كزهور “السوسن” على التأمل ويرفع الأحمر من مستويات الطاقة والحيوية. أما الأبيض فيحقق الهدوء والصفاء للنفس، ومنه يوجد الزنبق أو أنواع أخرى متنوعة من الورود البيضاء. كما أنّ رُؤية الورود المتفتحة تُساعد الإنسان على تحمُّل الألم. كذلك أثبتت الأبحاث العلمية أنَّ لرائحة الورود تأثيرًا كبيرًا على مزاج المرأة.
لذلك تُعتبر الزهور من أجمل النباتات التي خَلَقها الله. وعِندما نتحدّث عن الزهور، فقد يذهب العقل إلى الصَّفاء والرومانسيّة، ويذهب تفكيرُنا إلى جمال الطَّبيعة الموجود في هذه النَّبتة الصَّغيرة.
وللزهور لغة تعبيرية خاصة عندما يغيب الكلام ويصعب التعبير وتجف الأقلام ويتلعثم اللسان فتبقى وحدها نضرة زاهية لتحمل معاني التعبير.
إن الزهور والورود دليل على جمال وإبداع خلق الله سبحانه وتعالى فيها فهي سحر الأبصار وعطر الوجدان ولغة المشاعر… الوردة هي الطبيعة الصامتة النابضة بكل ألوان الحياة، ألوان مضيئة تعكس التفاؤل العميق والفرح بالحياة فهي كفيلة بتغيير حالة التشاؤم إلى حالة السعادة والفرح.