مجموعة فريدة في نوعها، متميزة في خصائصها، مُحيرة في تصنيفها. فالبعض يصنفها منناقرات الأخشاب لتميز رأسها ومنقارها. والبعض يضعها ضمن “آكلات الرحيق” لطبيعة غذائها ولسانها ومنقارها، والبعض الثالث يصنفها ضمن “آكلات الحشرات” لاعتمادهاعلى أكل الحشرات. ومع هذا وذاك تبقي من أصغر أنواع الطيور والفقاريات المُتميزة بسرعتها وخفتها ورشاقتها ووداعتها، وجمال ريشها، وكثافته. وتبقي “هدية” أهداها العالم الجديد “الأمريكيتين”، للعالم القديم الذي خلا من تلك المجموعة الفريدة المتميزة.
تُصنف “الطيور الطنانة” Humming birds” ضمن فصيلة تروكيليدي “Trochilidae”. ويوجد منها نحو 325 نوعًا منتشرة في النصف الغربي من الكرة الأرضية -الأمريكيتين الشمالية والجنوبية وما بينهما- ويتفاوت حجمها ما بين أكبرها الطائر الطنان العملاق Giant humming” bird”ويبلغ وزنه 21 جرامًا، وطوله 12 سم، وأصغرها بل أصغر أنواع الطيور كلهاطائر النحلة الطنانThe bee humming bird” ” البالغ وزنه 1.8 جرامًا، وطوله 5 سم ويعيش في كوبا، ويُفترس طائر النحلة الطنان من الصقور والغربان والبوم. وعندما يشعر “الطائر الطنان” بعدوه المفترس يقترب منه أو من عشه يقوم بحركات بهلوانية في الهواء، ويصدر صوتًا عاليًّا يحذر به باقي أقرانه.
وفي “الإكوادور” يعشش أحد الأنواع الطنانة عند قمم الجبال (ارتفاع 1400 قدم). وتأوي “صحاري الصبار” بعض الأنواع، لكن هذه الأنواع الجبلية والصحراوية قليلة العدد لا تقارن بطناني الأراضي الزراعية. ففي حدائق البرتقال في البرازيل أسراب ضخمة من مختلف الأنواع والأحجام تجذبها الرائحة الذكية لأزهار البرتقال، وتقيم معظم أنواع الطيور الطنانة في أماكن تواجدها على مدار السنة. لكن بعضها يهاجر من الأماكن الباردة شمالاً والتي تصل إلى 18 درجة تحت الصفر، للدافئة جنوبًا وذات النهار الأطول. فتعبر البحار وتهاجر منفردة، فتطير بسرعة نحو 27 ميل/ ساعة. وسجل طائر الطنان من نوع “رافوس” أطول هجرة بين الطيور. حيث طار 3.500 ميل من عشه في ألاسكا وكندا في الشتاءليبلغ الدفء في المكسيك.
ولدى الطيور الطنانة حاسة إبصار قوية. وتقتات على رحيق الأزهار/ الأشجار، والحشرات الصغيرة (الذباب، النمل/ مصدر للبروتين) التي تندفع لداخل الزهور، أو تصطادها عبر الهواء. وتتميز بمنقار طويل، أسطواني وأحيانًا معكوف، رفيع جدًا. وقد يبلغ طولها 4 بوصات -أكثر من 8 سم- وتستخدمه كسيف للدفاع عن نفسها. أما لسانها فأنبوبي الشكل يندفع لمسافات داخل مئات الزهور لامتصاص رحيقها، يلعق ما بين 10-15 لعقة فيالثانية. وتعتبر وسيلة التلقيح لعدد من النباتات من خلال تنقلها من زهرة لأخرى، فتعلق حبوب اللقاح بمنقارها. وهي تأكل كل 15-20 دقيقة. وتأكل ما يعادل نصف وزنها من الغذاء يوميًّا، وتشرب حوالي 8 مرات وزنها يوميًّا. وتهضم غذائها خلال 10-15 دقيقة. وتعد من أسرع أنواع المخلوقات في سرعة التمثيل الغذائي؛ لكن مع شح الغذاء أو تقلبات الطقس، تقوم بتقليل معدل تنفسها، وخفض درجة حرارة جسمها من 40 درجة مئوية إلى 20 درجة، وتقلل معدل ضربات قلبها عُشر المعدل الطبيعي، وتبقي في العش دون حركة كيلا تستهلك طاقة كبيرة.
طيران التزاوج:
تعتبر هذه الطيور من أكثر الطيور كثافة في معدل انتشار الريش في البوصة المربعة من أجسامها. ويمتاز هذا الريش بألوانه البراقة وبخاصة في الذكور التي لا تقل روعة عن أكثر الفراشات جاذبية. ولا ترجع تلك الألوان لوجود أصباغ كثيفة داخل ريشها فقط، بل لوجود “صفائح ميكروسكوبية” تعمل على انكسار الضوء خلالها. فتظهر ظلال مختلفة من ألوان “قوس قزح”. ويتخذ ترتيب وتصاميم الريش أشكالًا وأوضاعًا مختلفة فتكون على شكل أطواق تحيط بالرقبة، أو ريشات ذيلية متحورة.
وفي وقت التزاوج يقوم الذكر بنفش ريشه الملون الجذاب. وتتجمع حوله الإناث إلى إن يلاقى إعجاب إحداهن، فيستعرض مهارات سباحته في الهواء، وحركاته البهلوانية. ويرتفع إلى حوالي 60 قدم عن سطح الأرض، وتتبعه الأنثى. وأثناء الطيران يزيد معدل ضربات القلب إلى 200 دقة فيالثانية، ثم يهوي سريعًا على الأرض، ويتم التزاوج فيما 3-5ثواني. وبعد التزاوج. يختفي الذكر عن أنثاه.
وتبدأ بمفردها بناء العش ووضع بيضتانطول الواحدة نحو نصف بوصة، ووزنها 10% من وزن الأم، وهذه الأعشاش من أصغر أحجام المساكن قطره حوالي 3 سم، ويتكون من زغب وألياف وأغصان رفيعة جافة وخيوط عنكبوت، ويفقس البيض بعد مدة ما بين 14-19 يومًا، ويغطي الريش أجسام الأفراخ بعد حوالي 21 يومًا. وتظل الأم ترعاهم وتغذيهم لمدة 40 يومًا. تعيش هذه الطيور ما بين 5-12 عامًا لكن معظمها يتعرض للموت بسبب الظروف الجوية القاسية شتاءً. في الختام: طر وتذوق، حلق وتذوق، تأمل وتذوق. فما أجمل الطيران، وما أروع التحليق، وما أبهي التأمل، وما أشهى التذوق.