هداية القرآن.. شروط ونتائج

إن نداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) موجَّه إلينا اليوم، والحلُّ اليوم توجيهاتٌ ربانية للمسلمين في الكرة الأرضية بـ”الثبات”.

لا سقوط للمفسدين في الأرض إلا إذا نهضت أمة الهدى ذات الكيان الواحد، لكن لن يحدث ذلك إلا إذا حدث مَن يخْلُف ومَن يقُود بني آدم في الأرض إلى الهدى والخير والتّقى..

أول توجيه يُعْطَى للمسلمين في الكرة الأرضية هو (فَاثْبُتُوا)؛ اثبتوا على دينكم، واثبتوا على قرآنكم، اثبتوا على سنة نبيكم، واثبتوا على العلم الصحيح الذي استفاده علماؤكم واستنبطوه من كتاب ربكم وسنة نبيكم، اثبتوا على الأخلاق الشرعية التي استفدتموها من كتاب الله عز جل، وعلى العادات الصالحة التي عندكم في أُسَركم، واثبتوا على الخير الذي أنتم عليه..
وإياكم أن تستجيبوا لنداءات الكفر والضلال؛ لأن المسلم لا يتلقى إلا من جهة واحدة هي جهة الله سبحانه وتعالى، وذلك أساسٌ موجود في الوحي في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا نأخذ العلم ونأخذ الهداية: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبراهيم حَنِيفًا)(البقرة:135)، (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام:71).
لا ثبات على الهدى بدون معرفة قيمته، ولكي نَثبت -نحن المسلمين- عليه يجب أن نعلمه ونفقهه؛ لأن مَن لا يعرف شيئًا فكيف يثبت عليه وهو لا يعرفه؟ إذن، لا بد أن نعلم ونعمل لنزداد علمًا بما علمنا ونثبت على ذلك، وهذا ما يأمرنا الله عز وجل به اليوم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا).

ذكر الله عز وجل

لا ثبات على هدى الله بدون ذكر الله عز وجل، والذي يُعين المسلم على ذلك كله هو ذكر الله: (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الأنفال:45). إن ذكر الله يعطي المسلم طاقة هائلة يستطيع بها أن يثبت ولو كان قلّةً، لأن هذا الدين لا ينتصر بـ”الكثرة”، وإنما ينتصر بـ”المعيّة”: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم:47)، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(غافر:51). لكن المعية لا تكون إلا مع التقوى والإحسان في تطبيق هذا الدين: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(النحل:128)؛ فالله عز وجل يبارك كل ما يفعله المتقي، فتنفعل له الأشياء مِن حوله، وتتيسّر له الأمور.. وما تيسّرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولجنود الله من أمور الإمبراطورية الفارسية الكسروية، ومِن أمور الإمبراطورية الرومانية القيصرية، إلا بالتقوى والإحسان الجالبَين المعية الربانية.

لا ثبات على هدى الله بدون ذكر الله عز وجل، والذي يُعين المسلم على ذلك كله هو ذكر الله.

لا سقوط للمفسدين في الأرض إلا إذا نهضت أمة الهدى ذات الكيان الواحد، لكن لن يحدث ذلك إلا إذا حدث مَن يخْلُف ومَن يقُود بني آدم في الأرض إلى الهدى والخير والتّقى.. لن يحدث ذلك إلا إذا ظهر “الذين آمنوا”، وظهرت الأمة التي نادى بها أبونا إبراهيم عليه السلام حين قال: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً)(البقرة:128)، تلك الأمة المسلمة التي أسلمت أمرَها إلى ربها، وهي في وضْع أمة وكيان واحد، وليس في وضع الأشتات.

ذِكْرُ الله كثيرًا يجعل حقيقة “الله أكبر” تسكن في القلب، وإذا سكنتْ في القلب صَغر ما سوى الله، وإذا صغر فيه ما سوى الله، انتهى تأثيره الخارجي وصار تأثير الله عز وجل هو الحقيقة الواقعة في الأعمال والأفعال.
وهذه فائدة (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). نجد في هذه الآية الكريمة تنبيهًا على “الذكر الكثير”، لأن هذه التعبئة وهذه الطاقة في الظروف الصعبة في مثل ظرف المواجهة القائمة اليوم بين المسلمين وغير المسلمين في العالم، تحتاج إلى طاقة كبيرة، وإلى تعبئة كافية، وإن تلك التعبئة تحتاج إلى الكثرة في الذكر: (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فلا ثبات على الهدى، ولا ذكر لله إلا وفق المنهاج.