شهر رمضان شهر لا كشهور السنة ليس في المغرب فقط، ولكن في جميع بقاع عالم المسلمين، لأنه شهر الصيام والقيام والقرآن والذكر والفرح العبادة من جهة، ومن جهة ثانية هو شهر إحياء العادات الاجتماعية سواء تعلق الأمر بعادات الأكل والشرب أو عادات اللباس أو صلة الأرحام والزيارات.
بيد أن المغرب يتميز عن باقي دول المعمورة بخصائص سواء تعلق الأمر بالعادة أو العبادة، وسأقتصر في هذه المقالة على بعض منها:
فَرَحُ الْعِبَادَة:
يبدأ الاستعداد لرمضان في مساجد المغرب مُستهل شهر رجب حيث يُشرع في سرد صحيح الإمام البخاري في المساجد الجامعة في كل مدن المملكة، ويجتمع الناس لسماع الحديث، ويمضي العمل على هذا المنوال إلى أن يكون يوم السادس والعشرين من رمضان يكون ختم جميع الصحيح سردًا، ويحضر لهذا الختم جميع طبقات أهل البلد، هذا ما ذكره عبد الرحمن بن زيدان في كتابه النفيس “إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس”.
وفي ذات السياق يبدأ الاستعداد لهذا الشهر الفضيل من طرف رواد المساجد حيث يبحثون عن أشهر القراء من الشباب المتخرج من مدارس التعليم العتيق الذين يتقنون حفظ كتاب الله تعالى ضبطًا وتجويدًا، من أجل إحياء سنة التراويح، فتجد الأسر في غالب المدن تشد الرحال إلى المساجد التي يؤمها قراء متقنون.
وفي هذا الشهر تجتهد المؤسسات الدينية في دروس الوعظ والإرشاد حيث تعرف المساجد حركية غير مسبوقة في حلق العلم والوعظ، بالإضافة إلى المحاضرات والندوات العامة والخاصة، فشهر رمضان شهر التفقه في الدين.
وفي هذا الشهر الفضيل يجتهد المجتمع المدني في تحقيق معنى الجسد الواحد عبر خدمة الفئات المعوزة سواء تعلق الأمر بـ“قفة رمضان” والتي تحوي جميع المواد الغذائية، بالإضافة إلى تنظيم إفطارات طيلة الشهر الفضيل لبعض الفئات الفقيرة والمحرومة متمثلة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا “ رواه الترمذي.
ولأنه شهر القرآن المجيد فإن المسابقات القرآنية تعرف ازدهارا وتنوعا، ومن الجميل أن هذه المسابقات عرفت طفرة في السنوات الأخيرة حيث أضافت بعض الهيئات والمنظمات إلى فرعي التجويد والحفظ فرع التدبر الذي أعطى لتك المسابقات طعما آخر ووظيفة أخرى.
كل ذلك وغيره كثير، جعل شهر الفضيل شهر فرحٍ بالعبادة وقرب من الله تعالى.
بَهْجَةُ الْعَادَة:
للمغاربة طقوس وعادات راسخة في شهر رمضان، كل ذلك تفضيلاً وتمييزًا له عن باقي الشهور، حيث تجتهد الأسر في اقتناء المواد الغذائية قبل حلول الشهر المبارك، وإعداد بعض الأطباق التي يختص بها رمضان، فمثلا نجد أن شربة ” الْحَرِيرَة” هي طابق رئيس في وجبة الإفطار عند كل الأسر المغربية بالإضافة إلى التمر والبيض المصلوق والرغائف بأشكالها وبعض العصائر والفطائر.
بالنسبة للمدن الشاطئية فبالإضافة إلى ما ذكرنا ينضاف طبق السمك ليؤثث مائدة الإفطار، وبعد الأسر في هذه المدن يخصصون بعض الأيام للإفطار قرب شاطئ البحر الأبيض المتوسط، أو المحيط الأطلسي، فمثلا في “مدينة أسفي” التي سماها العلامة ابن خلدون حاضرة المحيط، يُقصد شاطئها من طرف الأسر والأفراد للسباحة والإفطار على رماله الذهبية، خصوصا وقد تزامن هذه السنة رمضان مع فصل الصيف.
ومن العادات التي يتميز بها الشهر الفضيل الإقبال على اللباس التقليدي الوطني من طرف فئات المجتمع حيث ينشط الخياط التقليدي وباعة الملابس التقليدية، فتجد الصغار والكبار ذكورا وإناثا يقبلون على الجلباب والبلغة (نعل للذكور) والشربيل (نعل للإناث).
ومن العادات التي الجميلة التي تجعل الجميع يتذكر رمضان هو ذلك الصوت الذي يخترق سكون الليل، سواء أكان صوت طبل (الطبال)، أو نفير(النفار) والذي يوقظ النائمين ويذكر الجميع باقتراب موعد السحور، ويسمى هذا الشخص في المشرق العربي بالمسحراتي.
ولأن شهر رمضان شهر الأمل والمستقبل وتوريث القيم والأخلاق والأحكام فقد اشتهر في المغرب الاحتفال بالصوم الأول للأطفال في يوم من أيام رمضان، خاصة ليلة السابع والعشرين منه، التي تعتبر عند المغاربة هي ليلة القدر.