في حلقة علمية كانوا يستعرضون فصول كتاب قسموه بينهم ليقرأوه، ويكتبوا بعض الملاحظات عليه، بغية الاستفادة وتبادل الأفكار. وبعد الانتهاء من عرض الكتاب اقترحوا أن يقسموا بينهم مقالات “حراء” ليقرأوها في اللقاء القادم؛ هذا يأخذ المقال الرئيس، وذاك يأخذ مقال العلوم، وثالث يأخذ مقالاً فكريًّا، حتى وزَّعوا المقالات جميعها عليهم. كانت هيئة التحرير حاضرة في هذا الملتقى، شعرنا بثقل الأمانة الملقاة على عاتقنا، فما يُختار في “حراء” سوف يكون عاملاً من عوامل التكوين الفكري والثقافي اليوم أو غدًا. إن إدراكنا لهذه الحقيقة يلقي على عاتقنا مسؤولية انتخاب الأفكار، واستكتاب أولي النهى والأبصار، لتعبيد الطريق أمام قرائنا الأعزاء الذين يثقون بنا من أجل بناء فكري وثقافي وتربوي سديد.
وانطلاقًا من هذه المسؤولية نقدم لكم في هذا العدد نخبة من المقالات الفكرية والتربوية والعلمية والأدبية مع مجموعة متميزة من كتّابنا الأعزاء، فـ”مناخ العولمة الذي يحيط بنا من كل الجوانب بضروراته وقوانينه، يستلزم منّا أن نستفيق من سباتنا، ونَصْحُوَ من غفلتنا، وأن نكون عنصرًا راشدًا من عناصر التوازن المتمحور حول الحق والقوة والعقل والمنطق، في وقت تمس فيه الحاجة إلى التعايش مع الآخرين، وإلا فسنبقى رازحين في رِقِّ التبعيّة، تحت رحمة المصالح كلقمة سائغة وهدف سهل”، وهذا مما عبر عنه الأستاذ فتح الله كولن في مقاله المعنون بـ”جنون القوة”.
أما سعيد شبار فيواصل النحت الدقيق في القضايا الفكرية “من أجل منهاج قرآني تجديدي في الفكر والعلوم الإسلامية”.. يردفه وديع اكونين “الأخذ بالأسباب المعنوية”.. وفي مجال الفكر أيضًا يعالج عبد الرزاق بلعقروز أزمة القيم في مقال بعنوان “الفراغ الأخلاقي المعاصر وواجب تجديد منظومة القيم”.. ولأن الحاجة ماسة للوقوف على مصطلح التجديد قام بهذه المهمة خير قيام أحمد فتحي حجازي في مقاله “التجديد.. محاولة لفهم المصطلح”. أما أسامة شهوان فيرصد عند رائد المفكرين في العصر الحديث الإمام النورسي آفاقَ “العقلية التصويرية ووسائلها”.. كما يتساءل فوزي بسام تساؤلاً جوهريًّا قائلاً “هل مشكلتنا مشكلة قيادة؟”؛ وفي ثنايا إجاباته عن هذا التساؤل، يزيح كثيرًا من الغمام الراكد أمام صفحة الفكر الإسلامي الرائق.
ويستعرض عبد الرحمن الطبيب بعضًا من جوانب الإصلاح في سورة يوسف مُنزلاً هذه الجوانب على واقعنا المعاصر.. ويختم جمال بن فضل الحوشبي هذه الرحلة الفكرية بمقاله المتميز “سيعلمون غدًا من الكذاب الأشر”؛ يستحكي فيه النصوص القرآنية، ويجلي وسائل المبطلين والمفترين وذوي الدعايات السوداء لصد أهل الحق عن متابعة مسيرهم.
وفي مجال العلوم يتألق -كالعادة- ناصر أحمد سنه في “النباتات اللاحمة”، وخلف أحمد أبو زيد في “البحار كنوز وأسرار”.. وفي التربية يحدثنا عبد العزيز الإدريسي -بعد بحث ميداني- عن مدارس “الخدمة” ودورها في تحقيق السعادة بعدما تأسّف على إغلاق الحكومة التركية لها. وعن ثقافة التواصل الأسري يقترح عبد الله صدقي خمس إستراتيجيات للتواصل الإيجابي البناء داخل الأسرة.. أما واحة الأدب نثرًا فعند أديب الدباغ في رائعته “رجال القلوب الضارعة”، ومحمد المنصوري في “ليتنا قلمٌ من رَصَاص” يستروح طلاب الأدب وعاشقو الجمال.. وعند حسن الأمراني في فريدته الشعرية “سلامًا” يطيب المقام ويحلو السماع.
إن حراء في هذا العدد -وكل عدد- تحرص كل الحرص على أن تمدَّ بِساطها الفكري والثقافي لضيوفها القراء والمتابعين، ليجد كل ضيف قِراه ويتمتع من كل كاتب بِنَدَاه.