توقف هنيهة… هذا هو الهاتف الذي خطر على بالي وأنا أهُمّ بالعودة إلى النوم بعد تقلبات أيام شاقة شابتها مناقشات ومناوشات كلامية وخلوات صاخبات، وما هي في الحقيقة بخلوات.
توقف هنيهة… فبين نوم ويقظة هي في ذاتها أشبه بالنوم، بين هذه وتلك يظل الإنسان، ذلك الجرم الصغير في الفلك البشري مندفعا مسرعا بلا توقف… بلا هدف أو معنى أحيانا كثيرة… مندفعا مسرعا في دورانه حول نفسه. فكل منا بلا شك مهما اقترب من غيره أو اقترب منه غيره يظل جرما وحده… أشبه بصندوق مغلق على ذاته، يدور أولا حول ذاته، بينما هو جزء من مجموعة شمسية… أسرة نووية، ثم مجرة… أسرة ممتدة، فمجرة أكبر… مجتمع أوسع، فمجرة أوسع… قوم… وهكذا.
ما أشبه الأجرام والأفلاك البشرية بالأجرام والأفلاك الكونية في دوران كل جرم حول ذاته… في فلك من أفكاره وهمومه ومشاغله واهتماماته. وكل مجموعة وكل مجرة حول نفسها، وكل جرم يدور حول شمس في مجموعته… أب أو أم أو أخ أو زوجة أو صديق. الكل يدور بسرعة في تلك المدارات… وفي مسارات تطول أو تقصر بين نقطة بداية… صرخة الميلاد، ونقطة النهاية… شهقة الموت.
فإذا كانت الأجرام السماوية قد فطرها ا؟ وخلقها هكذا جمادات بلا عقل… لكنها تعرف ربها… خالقها، فما بال الجرم الإنساني… الذي هو أنا وأنت… ألا نتوقف هنيهة لنفتح عيوننا… لا ليست عيون أبصارنا بل عيون بصائرنا لنعرف… فقط وعلى أقل تقدير إلى أين المسير؟ إلى أين الاندفاع في مداراتنا وفي مساراتنا؟ هل نتوقف هنيهة لنسأل هذا السؤال أم أن قصور الاندفاع الذاتي في مداراتنا، وجاذبية الشموس في مجموعاتنا ومجراتنا تمنعنا من ذلك فنظل في مداراتنا الشخصية أو الأسرية أو المجتمعية أو القومية ندور هكذا بلا معنى أو هدف أو حتى توقف للسؤال عن هذا أو ذاك، ما المعنى… وما الهدف؟ هل أنا في تلك المدارات والمسارات في حالة من اليقظة أم في نوم، مغمض العين… مسوق؟! لا أدري…
تذكرت وأنا في غمرة تلك الخواطر الحديث النبوي “الناس نيام.. فإذا ماتوا انتبهوا”… في غمرة ساهون… في غفلة… في حالة بين النوم واليقظة، ولكن… (لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا). ففي كل تلك المدارات والمسارات سواء استيقظ الإنسان أم نام، غفل وسها أم استيقظ وتفتحت مسام جوارح عقله وانتبه… تظل حالة الدوران والسير… رحلة لا تتوقف حتى ينتهي الأجل. والكارثة ألا تحدث يقظة البصيرة وتفتح مسام العقل وتوقف الهنيهة للسؤال قبل نقطة النهاية…
كل منا أدرى بمساراته ومداراته… يحتاج إلى تأملها ومراجعتها، هل هي غائية أم عبثية؟ وأي وجهة يوليها؟ هل يستبق الخيرات أم يستبق الأهواء والشهوات ويتقاتل على التفاهات واللعاعات؟ وأين ومتى تنطفئ شعلة جرمه في نهاية جميع مداراتها ومساراتها؟!
أظن أن الأمر يحتاج إلى التوقف هنيهة وهنيهات للسؤال فهي رحلة لن تتكرر. فكل نقطة يمر بها جرم الإنسان -زمانا على الأقل- لن يمر بها ثانية… فهلاّ توقفنا هنيهة؟