إن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحتاج إلى بيان ولا إلى شهادة من أحد، بعد أن شهد له الواحد الأحد سبحانه وتعالى حين قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4).
وامْتَنّ الله على المؤمنين ببعثته التي فاقت سائر النعم حيث قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (آل عمران: 164).
وأمر الله تعالى أن يأخذ الناسُ ما آتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن ينتهوا عما نهاهم عنه حيث قال سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: 7)، وتكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)، وتكفَّل سبحانه بحفظ كل صحيح من السنة النبوية المطهرة ليكون بياناً للقرآن الكريم فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة: 17-19). وأعلن رب العزة سبحانه أنه تكفل بحفظ هذا الدين وإتمامه وإظهاره على الديـن كله مهما حاربـه أعداؤه، ومهما حاولوا إطفاء نوره، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8).
شهادة هرقل عظيم الروم
ولقد شهد بعظمة أشرف خلق الله هرقل عظيم الروم، بعد أن كوّن المعلومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أتباعه ودينه، واستنتج من خلال الأسئلة والأجوبة التي أجراها مع أبي سفيان ومن معه عن طريق الترجمان، وتيَقّن هرقل بأنه رسول حقا، قال: «فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضعَ قدميّ هاتين، وقد كنتُ أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلُص إليه صلى الله عليه وسلم لتجشّمتُ لقاءه ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدميه» (رواه البخاري). ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث به دحية رضي الله عنه إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم… سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيّين و ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 64).
وهكذا نرى شهادة هرقل وكيف وصل إلى الحق وإلى هذه النتيجة وإلى الحقيقة من أقرب الطرق، وهي طريق يمكن أن يسلكها كل باحث عن الحق. وها هو أبو عبيد أخرج في كتابه «الأموال» من مرسل عمير بن إسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزّقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما هؤلاء فممزّقون وأما هؤلاء فستكون لهم بقية». وتلك نهاية كل من يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
شهادات عظماء أوربا
وكم في التاريخ القديم والمعاصر من نماذج عديدة لشخصيات كبرى لهم قدرهم الفكري والاجتماعي، اعتنقوا الاسلام وعرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق ودينه هو الحق، فلم يسيئوا إليه بل إنهم شهدوا له واعترفوا بفضله وعظمته. وإليك أيها القارئ العزيز بعض نماذج من غير المسلمين ومن المستشرقين المنصفين:
ها هو ذا «ليونارد» قال: «إن محمداًصلى الله عليه وسلمأعظم البشرية قاطبة، وأصدق إنسان وجد على وجه الأرض منذ بدء الخليقة». نعم إنه أعظم البشرية، في رسالته العالمية التي حملت الرحمة للعالمين، وفيما جاء به من تعاليم أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، ومن العسف والظلم إلى نور العدالة والحق.
وها هو ذا «جورج برنار دشو» يقول: «كنتُ على الدوام أنزل ديانة محمد صلى الله عليه وسلم منـزلة كبيرة من الإعزاز والإكبار لعظمته التي لا تُنكر، إنني أعتقد أن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الوحيد الذي يناسب كل إنسان ويصلح لكل زمان، ويتمشى مع كل بيئة في هذا العالم، في كل مرحلة من الحياة. وإني أتنبأ بأن دين محمد سيلقى القبول في أوربا غدا، كما يلقاه فيها الآن».
وها هو «لامارتين» الكاتب الفرنسي والمؤرخ المنصف قال: «وإذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية، فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل». وفي هذا القول ما يوضح وصول هذا الكاتب إلى الحق والإنصاف بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع كل صفات العظمة الإنسانية.
وها هو «ألفرد مارتين» في كتابه «أكبر زعماء الديـن في الشرق» يقول: «والحقّ أنّ محمداً بما قام به من الإصلاحات والتشريعات، وما نشَره من المدنية الإسلامية والحضارة الرائعة والنظم الاجتماعية، قد أدّى أكبر خدمة إنسانية للعالم كله لا لجزيرة العرب وحدها».
حاجة العالَم إلى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
والناظر إلى هذه الشهادات وإلى آراء المستشرقين المنصفين يرى أن العالم كان في حاجة إلى هذا النبي العظيم الذي نشر النور والهدى، وأسس أعظم حضارة بنّاءة نفعت الإنسانية وقامت على العدل والإنصاف وعلى الحق، وحماية حقوق الإنسان وصيانتها. أيَليقُ بأحد مـمَّن جهِل قدر هذا النبي العظيم أن يتطاول عليه أو أن يسيء إلى مقامه العظيم الذي رفعه الله سبحانه وتعالى إليه؟!
إن الذين أساءوا بالرسوم الآثمة ارتكبوا أكبر خطيئة في حق الأديان والشرائع والثوابت والرسل أجمعين. وأصبح من الضروري على النظام العالمي أن يُنـزل أقسى عقوبة عاجلة وسريعة بالمعتدين حتى لا تتكرر إساءتهم بعد ذلك. وإنّ استصدار قانون دولي يُنـزل عليهم وعلى كل من يعتدي على أي رسول من رسل الله العقوبة من الأمور الواجبة التي يجب على النظام العالمي أن يبادر بها إحقاقاً للحق وصيانة لحقوق الرسل والشرائع، واتقاءً لِفتنٍ طائفية نحن في حل منها.
وعلى أمتنا الإسلامية في كل مكان أن تكون على مستوى المسئولية، فتطبق تعاليم هذا الرسول العظيم وتقتدي به وتتأسى بسلوكه، وأنْ توحّد صفوفها وتجمع كلمتها، وتصون عقيدتها وهويتها، وألا ترد على عبث الآثمين بأساليب كأساليبهم فلا تحرق ولا تهدم ولا تعتدي، لأن من تعاليم نبي الرحمة حتى في الجهاد ألا يُحرق الزرع وألا يُهدم البناء وألا يُقتل الطفل أو المرأة أو الشيخ الكبير… لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين.