ذُكر الرسول صلى الله عليه و سلم ففاضت عيناه، فكانت هذه القصيدة من وحي تلك الدموع:
فاضـتْ وخلَّتْ جمـاراً في مآقيها والشوق يستوقد الأعصاب يُذكيها
واهتزّت الروح للذكرى وطـارَ بها فيض مـن النـور يرويها ويُظميها
يـا لَلقلوب التي رفّـت مُجنّـحةً أهَكذا الوجـد يدميها ويـرقيـها
كنّا عَرجْنا فعرّجنا معـاً رهَـفـاً على أمـانٍ وذُبنـا في معـانيـها
يـا سـيّد الوجد كم داريتَ زفرتَه أنَّى إذا ذُكر المحبـوبُ تُخفيـها
تهفو لـه النفـس والأيـام تُرهقه يميتها البُـعـد والآمـال تُحيِيها
تحنُّ؟ كُـلٌّ بـهِ شَـوقٌ يهِمُّ بـهِ في آخـرِ الليْـلِ آيـاتٍ يُصَلّيها
أنلتقي بحبيب الروح ذات ضـحىً هناك في غرفٍ رَقّـت حواشـيها
يا دامع الطرف لو أن الدّنا جُمعت وأُدغمت سـنواتٌ في ثـوانيـها
وهُيّئتْ لـك فيها كلُ بهجتـهـا لكنت أزهدَ من آلت لهـم فيـها
كلُّ الجنـان التي في الوهـم مُقفرةٌ وجنـة الـروح تزهو في معاليـها
ما للمحب، إذا هـاجت لواعجُه، وهذه الأرض، حين الخِلّ يُخْليها؟!
دَنَـتْ فكانَتْ هيَ الدُّنيا، ودَيْدَنُها تُدْني وتُنْئِي مَنْ دَانُوا لهَـا، تِيـهَا
عُفافـةٌ فيضُها حتى إذا عُـمـرت عفَتْ وليس التعافي مـن تعافيـها
لِجَامُها المـوتُ لا يَـدْرِي غَيَاهِبَهُ إلاّ إذا أسْلَمَتْ للصَّمْتِ شَـادِيهَا
تمجُّنـا لجـجُ الأمـواجِ لافـظـة مَن كان في حِجرها عمْراً يُجاريها
هي التباريح تَبرينا ومـا بـرحـتْ تطارحُ الصبرَ فينـا إذ نُـداريـها
كمن يـغـض على رمـلٍ بمُقلته والريح تَذروه رملاً في بَـراريـها
نستوضح الفجر لكن أيـن شُـقّتُه وقد طغى الوقت زحفاً في لياليـها
يا مَعقِل الحزن كفكفْ بعضَه جلَداً واغْرَق بما شئت إن هاجت قوافيها
هي الحيـاة حَـرونٌ عُرفها نـزِقٌ فكن إذا حرَنـت بالحِلْم حاديـها
تُصغي لهمسك حين الكون في صخبٍ والصَّحْو يَصدَح ودْقاً في نواصيها
قالهـا الحـبُّ والأيـامُ شـاردةٌ والدهر يَقبضُ أرسـانـاً ويُرخيها
فكلّما شـفّها شَـوقٌ وسـربَلها وجْـدٌ تنـاثر ماسٌ في مآقيها.