المسلمون اليوم ذكاء متعب أو قوة إبداعية تعاني نزع الاحتضار، وشعلة نفسٍ خابية، يُظِلُّهُمْ زمان لا يأتيهم إلا بالفواجع والآلام، أحلامهم كوابيس رعب شديدة الوخز، حضارتهم كنوز عتيقة يفاخرون بها ولكنهم يحجمون عن إنهاضها وتجديدها، إنهم لا يدركون أيَّ قُوى هائلة ينطوون عليها. ولكن مما يعزينا ويبعث فينا الأمل أقلامٌ وضَّاءة لا زالت تكتب وتقول، وعقول نيرة لا زالت تبصر وتهدي، ونفوس ذكية سامية لا زالت تتقدم الصفوف وتنير الطريق، وهذه “حراء” ذات النسب المحمدي “عليه الصلاة والسلام” لا زالت تستقطب هذه الأقلام والعقول والنفوس وتفتح صفحاتها لكل من يريد الإسهام في “الفتح الإيماني” المنتظر من هؤلاء الأساتذة بأقلامهم وأفكارهم.
إن أستاذنا الكبير “محمد فتح الله كولن” بقلمه الندي المتلطف هو رائد الأمل الباسم، والغد المشرق، إنه يحوك من خيوط اليأس نسيج الغد الذي يبشر به، ويدعو إليه، إنه يزرع في الأرض القفراء أشجار “السرو الإيماني” المتفجرة بالحياة، والمشتعلة بلهيبها الأخضر الريان، إنه يهدم بقلمه شكوكيات كل متشكك بجدوى الحياة الإيمانية عن طريق العقل والتجربة، ويشير إلى تلك الخيوط المتصلة بالعوالم التي لا حصر لها والتي هي من إبداعات الله جل جلاله.
أما الأستاذ “البوطي” فإنه يكتب عن أحجية الموت، هذه الأحجية التي حار فيها قديمًا وحديثًا الفلاسفة والحكماء والأطباء. ويبين رأي الإسلام في “الموت” وكيف ينبغي أن نفهمه وأن نستقبله حين يحين الأجل. وأما المفكر الكبير الأستاذ “طة عبد الرحمن” فإنه يضع بين أيدينا طريقة للتفكير في إيجاد الصلة بين العلم والدين، وكيف مارسها المسلمون القدامى وكيف نمارسها نحن اليوم. والعالم الكبير الأستاذ الدكتور “زغلول النجار” يقيم صرحًا تربويًا عالياً لتلميذ القرآن، لتربيته والعناية به، ليتخرج بعد ذلك وهو مكتمل الشخصية وقادرًا على مواجهة الحياة بأفراحها وأتراحها، وبموازنة عالية لا إفراط فيها ولا تفريط. مع مقالات أخرى لا تقل أهمية عما أثبتناه هنا، غير أننا نعتذر لعدم تمكننا من الإشارة إليها لضيق هذه الصفحة عن الاستيعاب.
إن هذه القلّة من أصحاب الأقلام هم فخر المسلمين وتاجهم المتألق على مفْرَق رؤوسهم، إنهم القوة المتحركة والمحركة معاً في روح الفرد وفي روح الجماعة، فكيف تنسى كلماتهم التي صاغتها قلوبهم وقذفت بها أرواحهم.
إن معنى الحياة، وغاية الوجود، وقضية الجنس البشري ومآلاته في القابل من الأزمان، مع المعالجات العلمية الطموح هي محاور هذا العدد من “حراء”. وقد خاضت أقلام كتابنا المحترمين في كل هذه الأمور، صحيح أننا لم نبلغ بعد تاج المعرفة، غير أننا نسعى إلى ذلك، لأننا نشعر بأننا مسؤولون عن الحياة بكاملها، وعن الإنسان في أي مكان من الأرض، ومن الله تعالى السداد والتوفيق..